للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثاني: أن الظلمة تمنع من الإبصار، ونوم الخلق يمنع من السماع، فإذا صار القلب فارغاً عن الاشتغال بالأحوال الخارجية عاد إلى المطلوب الأصلي، وهو معرفة الله.

الثالث: أن الليل وقت النوم، فتركه يكون أشق فيكون الثواب أكثر.

الرابع: قوله تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل: ٦].) (١)

ويشهد لصحة هذه الدلالة ما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصلاة، بعد الصلاة المكتوبة، الصلاة في جوف الليل، وأفضل الصيام بعد شهر رمضان، صيام شهر الله المحرم» (٢)

قال النووي: (فيه دليل لما اتفق العلماء عليه أن تطوع الليل أفضل من تطوع النهار). (٣)

كما يدلَّ له ما روي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: «إن فضل صلاة الليل على صلاة النهار كفضل صدقة السر على العلانية» (٤)، فكما أن صدقة السر تطفئ الخطيئة، وتطفئ غضب الرب، فكذلك صلاة الليل. (٥)

فثبت بهذا فضل صلاةِ الليل على صلاة النَّهار، وأن الاستكثار من صلاة الليل بالقراءة فيها ما أمكن أعظم للأجر، وأرفع للدرجات، لأنها تجمع بين تخلية القلب من الرذائلِ بغفران الذنوب، وتحليته بالفضائل بكَسْب الحسنات، كما أن الليل موسم لتنزُّل الرحمات، ونزول الله تبارك وتعالى، فعظمت العبادة فيه؛ لأنه وقت فاضل، (٦) وبهذا يظهر صحة دلالة هذه الآية على ما استنبطه الخطيب، والله تعالى أعلم.


(١) ينظر: التفسير الكبير (٢٦/ ٤٢٨)
(٢) أخرجه مسلم في كتاب الصيام، باب فضل صوم المحرم برقم (٢٠٣)، (٢/ ٨٢١).
(٣) شرح النووي على صحيح مسلم (٨/ ٥٥)
(٤) ينظر: تفسير يحيى بن سلام (٢/ ٧٨٧).
(٥) ينظر: جامع العلوم والحكم لابن رجب (٢/ ١٤٢).
(٦) ينظر: الهداية الى بلوغ النهاية (١٢/ ٧٧٩١)، وقيام الليل لمحمد بن نصر المروزي (١/ ١٨٩)، وعون المعبود وحاشية ابن القيم (٧/ ٥٩).

<<  <   >  >>