هذان الحديثان يتعلَّقان بحكم استقبال القبلة في الصَّلاة، والقبلة هي: الكعبة والمسجد الحرام، وقد دلَّ الكتاب والسُّنَّة والإجماع على اشتراط استقبال القبلة في الصَّلاة إلَّا ما خصَّه الدَّليل، قال الله تعالى: ﴿وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ [البقرة: ١٥٠]، وقال ﷺ:«مَنْ صَلَّى صَلاتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ … »(١) الحديث. وأجمع المسلمون على ذلك إجماعًا قطعيًّا، فمن جحد القبلة كفر، ومن صلَّى متعمِّدًا إلى غير القبلة لم تصحَّ صلاته.
وهذان الحديثان قد ضعَّف التِّرمذيُّ أوَّلهما، وقوَّى البخاريُّ الحديث الثَّاني، ومع ذلك فقد اتَّفق العلماء على مضمونهما.
وفي الحديثين فوائد؛ منها:
١ - أنَّ من صلَّى إلى غير القبلة وقد اجتهد فأخطأ فصلاته صحيحةٌ.
٢ - أنَّ أيَّ جهةٍ أمر الله سبحانه بالتَّوجُّه إليها فهي القبلة، فالكلُّ ملكه، وقوله: ﴿فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ﴾ [البقرة: ١١٥]؛ أي: قبلة الله؛ أي: القبلة الَّتي شرع الله، هذا أرجح القولين في الآية، وعلى هذا؛ فلا تكون الآية من آيات الصِّفات.
وقيل: ﴿فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ﴾ وجهه الَّذي هو صفته، ومشى على ذلك ابن القيِّم، واختار شيخه الأوَّل، وهو المأثور عن السَّلف كابن عبَّاسٍ ﵃ وغيره.
والوجه يطلق على الجهة، فإضافة الوجه إلى الله على القول الأوَّل من إضافة المخلوق إلى خالقه، وعلى القول الثَّاني تكون من إضافة الصِّفة إلى الموصوف.