للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجملة، لا مطلق اللقاء فكم من تابع لقي صاحبا، ولم يسمع منه، وكذلك من بعدهم.

وينبغي أن يُحمَل قولُ البخاري وابن المديني (١) على أنهما يريدان باللقاء السماع.

وهذا الحرف لم نجد عليه تنصيصا يُعتَمد، وإنما وُجدَت ظواهرُ محتملة أن يحصل الاكتفاء عندهم باللقاء المحقق، وإن لم يُذكَر سماع، وأَن لا يحصل الاكتفاء إلا بالسماع، وأنه الأليق بتحريهما، والأقرب إلى صوب الصواب، فيكون مرادهما باللقاء والسماع معنى واحدا.

وفي قول مسلم حاكيا للقول الذي تولى رده ما يقتضي الاكتفاء بمجرد اللقاء، حيث قال في تضاعيف كلامه: "ولم نجد في شيء من الروايات أنهما التقيا قط أو تشافها بحديث".

فظاهر هذا الكلام أن أحدهما بدل من الآخر، وأن "أو" للتقسيم، لا بمعنى الواو، وقد أتى به أيضا في أثناء كلامه بالواو، فقال: "وإن لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا، ولا تشافها بكلام"، وكرره أيضا بالواو، فقال: "ثم أدخلت فيه الشرط، فقلت: حتى نَعلَم أنهما قد كانا قد التقيا مرة فصاعدا وسمع منه شيئا". وهذا أبين ألفاظه.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: كون "أو" في كلام مسلم بمعنى الواو هو الحقّ؛ لأن من تأمل كلامه من أوله إلى آخره بإنصاف وإمعان يتبيّن له أنه يريد بـ "أو" معنى الواو.

والحاصل أن المواضع التي وقع فيها الاقتصار على اللقاء فقط محمولة على لقاء معه سماع، فتبصّر بالإمعان، ولا تكن أسير التقليد، فإنه حجة البليد، وملجأ العنيد. والله تعالى أعلم بالصواب.

وقال الحافظ أبو عبد الله المعروف بابن البَيِّع الحاكم في كتاب "معرفة علوم الحديث" له في (النوع الحادي عشر) منه: "المعنعن بغير تدليس متصل بإجماع أهل النقل، على تورع رواته عن التدليس".

وقال الفقيه المحدث أبو الحسن القابسي: "وكذلك ما قالوا فيه: "عن، عن" فهو أيضا من المتصل إذا عُرف أن ناقله أدرك المنقول عنه إدراكا بَيّنا، ولم يكن ممن عُرف بالتدليس.


(١) اقتصاره في عزو هذا القول إلى البخاريّ وابن المدينيّ فقط محلّ نظر؛ إذ لا يخصّهما، بل غيرهما ممن سبقهما، أو عاصرهما قائل به، وإن كان كلام مسلم يدل على خلافه، لكن الصواب أنه رأي جمهور السلف، بل لا يبعد -كما قال ابن رجب- أن يكون إجماعًا منهم، فتبصّر.

<<  <  ج: ص:  >  >>