للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

رقّ قلبه ولان قَبِل المواعظ، وخضع للزواجر، وسارع إلى الخير، وصفاء الإيمان والفقه والحكمة، بخلاف من قسا قلبه، وغلُظ، وكَثُفَت حُجُبُ الكبر والفخر والعجب عليه.

وقد يكون ذكر القلوب والأفئدة ها هنا بمعنى واحد، تكرّرت باختلاف اللفظ، كما اختلف اللفظ الذي قبلها، وقد يكون بينهما فرقٌ؛ إذ قيل: إن الفؤاد داخل القلب، فوصف القلب باللين والضعف، والفؤاد بالرّقّة، أي إن قلوبهم أسرع انعطافًا وتقبّلًا للإيمان من غيرها؛ إذ أفئدتها أرقّ وأصفى لقبول الإيمان والحكمة، وأقلّ حُجُبًا، وأغشية من غيرها.

وقد تكون الإشارة بلين القلب إلى خفض الْجَنَاح، ولين الجانب، والانقياد، والاستسلام، وترك الغلوّ، وهذه صفة الظاهر، والإشارة برقّة الأفئدة إلى الشفقة على الخلق، والعطف عليهم، والنصح لهم، وهذه صفة الباطن، فكأنه أشار إلى أنهم أحسن أخلاقًا ظاهرًا وباطنًا.

وقد تكون الإشارة بلين القلوب، ورقّة الأفئدة إلى كثرة الخوف، والانزعاج للمواعظ والأذكار. انتهى كلام القاضي عياض رحمه الله تعالى (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الأَوْلى حمل رقّة الأفئدة، ولين القلوب، وضعفها على ظاهرها، وأن ما ذكره القاضي من الاحتمالات هي نتائج الرقّة واللين، فلا تنافي بينها، فتأمله، والله تعالى أعلم.

وقال القرطبيّ رحمه الله تعالى: قوله: "هم أرقّ أفئدة" يعني من أهل المشرق، لا من أهل الحجاز؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - قد قال في الحديث الآخر: "الإيمان في أهل الحجاز"، واليمن من الحجاز، وقد وَصَفَ أهل اليمن في هذا الحديث بضدّ ما وَصَفَ به أهل العراق، فإنه قابل وصفي القسوة والغِلَظ بوصفي الرقّة والضعف، والرقّة في مقابلة القسوة، والضعف يقابل الغلظ، فمعنى أرقّ: أخشع، ومعنى أضعف: أسرع فهمًا، وانفعالًا للخير.

و"الأفئدة": جمع فُؤاد، وهو القلب، وقيل: الفؤاد داخل القلب، أي اللطيفة القابلة للمعاني من العلوم وغيرها. انتهى (٢).


(١) "إكمال المعلم" ١/ ٣٢٠ - ٣٢١.
(٢) "المفهم" ١/ ٢٣٩ - ٢٤٠.