ورواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" عن ابن مسعود، وابن عمر، وإبراهيم النخعي، ومجاهد، وأبي قلابة، وعمرو بن دينار، والشعبيّ، وابن سيرين، وعبيد بن عمير، وحكاه ابن المنذر عن مالك، وسفيان الثوري، والشافعي، وأحمد، فأما مالك فهو المشهور في مذهبه، كما قال القاضي عبد الوهاب.
قال ابن بطال: وهو قول أشهب، وابن الماجشون، واختاره ابن حبيب، وقال: الذي يقضي هو أولها؛ لأنه لا يستطيع أن يخالف إمامه، فتكون له أولى، وللإمام ثانية، أو ثالثة. انتهى.
وأما الشافعي، فليس هذا مذهبه، وما رأيت أحدًا حكاه عنه، إلا أن النووي حكاه في "الروضة"، قال: إنه حُكي عنه قول غريب أنه يجهر.
وأما أحمد، فكذلك حكاه عنه الخطابي أيضًا، وهو خلاف ما حكاه عنه ابن بطال، كما تقدم.
واستَدَلّ هؤلاء بقوله في الرواية الأخرى:"وما فاتكم فاقضوا"، فلما استعمل لفظ القضاء في المأتيّ به بعد سلام الإمام، دلّ على أنه مؤخر عن محله، وأنه أول الصلاة، لكنه يقضيه.
وأجاب الجمهور عنه بجوابين:
[أحدهما]: تضعيف هذه اللفظة، كما تقدم عن غير واحد.
قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: لكن الأصح صحتها، فتبصر، واللَّه تعالى أعلم.
[الثاني]: أن قوله: "اقضوا" بمعنى أتموا، والعرب تستعمل القضاء على غير معنى إعادة ما مضى، قال اللَّه تعالى:{فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ}[فصلت: ١٢]، وقال تعالى:{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ}[الجمعة: ١٠]، وقالوا: قضى فلان حقّ فلان، فيُحْمَل القضاء في هذا الحديث على هذا المعنى جمعًا بين الروايتين.
وفي المسألة مذهب ثالث: وهو أنه أول صلاته بالنسبة إلى الأفعال، وآخرها بالنسبة إلى الأقوال، وهي رواية عن مالك -رَحِمَهُ اللَّهُ-، ويوافقه ما نصّ عليه الشافعيّ: من أنه لو أدرك ركعتين من رباعية، ثم قام للتدارك يقرأ السورة في الركعتين.
واختَلَف أصحابه في هذا، فقال بعضهم: هو تفريع على قوله: يستحب