قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: هذا الذي قاله هذان الإمامان: أبو بكر بن المنذر، وأبو عمر بن عبد البرّ -رحمهما اللَّه تعالى- من أن الخروج عن ظاهر خبر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- غير جائز، وأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- هو الحجة دون غيره تحقيقٌ حقيقٌ بالقبول، لا يسع أن يتعدّاه ذوو العقول، ويعتذر عمن خالفه من أهل العلم بأنه لم يصل إليهم النهي، أو وصل إليهم ولكن تأولوه، وما قصدوا مخالفته، فحاشاهم أن يُظَنّ بهم ذلك، فالقوم أهل اتباع، لا أهل ابتداع، إلا أن الخطأ لا يسلم منه إلا من عصمه اللَّه، فرضي اللَّه تعالى عنهم جميعًا، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في أن ما أدركه المسبوق هل هو أول صلاته، أم آخرها؟:
قال الحافظ وليّ الدين -رَحِمَهُ اللَّهُ- استُدِلّ بقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وما فاتكم، فأتموا" على أن ما أدركه المسبوق مع الإمام هو أول صلاته، وما يأتي به بعد سلام الإمام هو آخر صلاته، وهو مذهب الشافعي، ورواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" عن عمر، وعلي، وأبي الدرداء، وعمر بن عبد العزيز، وسعيد بن المسيب، والحسن، وسعيد بن جبير، وحكاه ابن المنذر عن هؤلاء، خلا سعيد بن جبير، وقال: إنه لا يثبت عن عمر، وعلي، وأبي الدرداء، وحكاه أيضًا عن مكحول، وعطاء، والزهري، والأوزاعيّ، وسعيد بن عبد العزيز، وإسحاق ابن راهويه، والمزني، قال ابن المنذر: وبه أقول.
ورواه البيهقي عن ابن عمر، ومحمد بن سيرين، وأبي قلابة، وهو منصوص مالك في "المدونة"، فإنه قال فيها: إن ما أدرك فهو أول صلاته، إلا أنه يقضي مثل الذي فاته من القراءة بأم القرآن وسورة.
قال ابن بطال: ورواه ابن نافع عن مالك، وقال سحنون في "العتبية": هو الذي لم نعرف خلافه، وهو قول مالك، أخبرني به غير واحد، وحكاه ابن بطال عن أحمد بن حنبل، وحكاه القاضي عياض عن جمهور العلماء، والسلف، وحكاه النووي عن جمهور العلماء من السلف والخلف.
وذهب آخرون إلى أن ما أدركه مع الإمام هو آخر صلاته، وما يأتي به بعد سلام الإمام هو أول صلاته، وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه.