للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

(فَأَكَلْنَا مِنْهَا) هكذا النسخ بالإفراد، وفي روابة أحمد المذكورة: "فأكلهما قوم"، ولما هنا أيضًا وجه، وهو أن يؤوّل بالمذكورة، أو بجنس البَقْلَة (فَقَالَ) -صلى اللَّه عليه وسلم- ("مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْمُنْتِنَةِ) اسم فاعل من أنتن الرباعيّ، قال في "القاموس": "النَّتْنُ": ضِدُّ الْفَوْح، نَتُنَ، كَكَرُمَ، وضَرَبَ نَتَانَةً، وأَنْتَنَ، فهو مُنْتِنٌ، ومِنْتِنٌ بكسرتين، وبضمّتين، وكقِنْدِيل. انتهى (١).

وقال في "المصباح": نَتُنَ الشيءُ بالضمّ نُتُونَةً، ونَتَانَةً، فهو نَتِيْنٌ، مثلُ قريبٍ، ونَتَنَ نَتْنًا، من باب ضَرَبَ، ونَتِنَ يَنْتَنُ، فهو نَتِنٌ، من باب تَعِبَ، وأنتنَ إنتانًا، فهو مُنْتِنٌ، وقد تُكْسر الميم للإتباع، فيقال: مِنْتِنٌ، وضمُّ التاء إتباعًا للميم قليلٌ. انتهى (٢).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: قد تبيّن بما ذُكر من عبارة "القاموس"، و"المصباح" أن "الْمُنْتِنة" هنا يجوز ضم ميمها، وهو الأشهر، وكسرها؛ إتباعًا لكسر التاء بعدها، وضمّ التاء إتباعًا لضمّ الميم قبلها، وهو قليلٌ، فتنبّه، واللَّه تعالى أعلم.

(فَلَا) ناهية، أو نافية، فعلى الأول يكون قوله: (يَقْرَبَنَّ) في محلّ جزم؛ لكونه مبنيًّا؛ لأجل نون التوكيد، وعلى الثاني، فهو في محلّ رفع خبر بمعنى النهي المؤكّد، وقد تقدّم أنه من بابي تعب، ونصر، وهو متعدّ، ولذا نصب قوله: (مَسْجِدَنَا) تقدّم أن المراد جنس المسجد، فلا يختصّ بالمسجد النبويّ، كما زعمه بعضهم، ويؤيّد ذلك ما تقدّم في حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- بلفظ: "فلا يأتينّ المساجد وفي رواية: "فلا يقربنّ مساجدنا ثم علّل النهي بقوله: (فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ) الفاء للتعليل؛ أي لأن الملائكة (تَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى (٣) مِنْهُ الْإِنْسُ") قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هكذا ضبطناه بتشديد الذال فيهما، وهو ظاهر، ووقع في أكثر الأصول: "تَأَذَى مِمَّا يَأْذَى منه الإنس" بتخفيف الذال فيهما، وهي لغةٌ، يقال: أَذِيَ يَأَذَى، مثلُ عَمِيَ يَعْمَي، ومعناه: تَأَذَّى. انتهى (٤).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: حاصل ما أشار إليه النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- بإيضاح أنه رُوي بوجهين:


(١) "القاموس المحيط" ٤/ ٢٧٣.
(٢) "المصباح المنير" ٢/ ٥٩٢.
(٣) وفي نسخة: "مما تأذّى".
(٤) "شرح النوويّ" ٥/ ٤٩.