للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

ذكر النضر بن شُميل، وكان ثقةً مأمونًا جليلًا في علم الديانة واللغة، قال: حدَّثني الخليل، وحسبك بالخليل، قال: أتيت أبا ربيعة الأعرابيّ، وكان من أعلم مَن رأيت، فإذا هو على سطح، فسلمنا، فردَّ علينا السلام، وقال لنا: استووا، فبقينا متحيرين، ولم ندر ما قال. قال: فقال لنا أعرابي إلى جنبه: إنه أمركم أن ترتفعوا، قال الخليل: هو من قول اللَّه -عزَّ وجلَّ-: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} [فصلت: ١١]، فصَعِدنا إليه، فقال: هل لكم في خبز فَطِير، ولبن هَجِير، وماء نَمِير؟ (١)، فقلنا: الساعة فارقناه، فقال: سلامًا، فلم ندر ما قال، فقال الأعرابي: إنه سالمكم متاركةً لا خير فيها، ولا شرَّ، قال الخليل: هو من قول اللَّه -عزَّ وجلَّ-: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} [الفرقان: ٦٣].

وأما نَزْعُ مَن نَزَعَ منهم بحديث يرويه عبد اللَّه بن واقد الواسطيّ، عن إبرهيم بن عبد الصمد، عن عبد الوهاب بن مجاهد، عن أبيه، عن ابن عباس في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (٥)} [طه: ٥]: على جميع بريته، فلا يخلو منه مكان.

فالجواب عن هذا أن هذا حديث منكر، عن ابن عباس، ونَقَلَته مجهولون ضعفاء، فأما عبد اللَّه بن داود الواسطيّ، وعبد الوهاب بن مجاهد فضعيفان، وإبراهيم بن عبد الصمد مجهول لا يُعرَف، وهم لا يقبلون أخبار الآحاد العدول، فكيف يسوغ لهم الاحتجاج بمثل هذا الحديث لو عقلوا، أو أنصفوا، أما سَمِعوا اللَّه -عزَّ وجلَّ- حيث يقول: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (٣٦) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} [غافر: ٣٦ - ٣٧]، فدلّ على أن موسى -عليه السلام- كان يقول: إلهي في السماء، وفرعون يظنه كاذبًا، قال أمية بن أبي الصلت [من الطويل]:

فَسُبْحَانَ مَنْ لَا يَقْدِرُ الْخَلْقُ قَدْرَهُ … وَمَنْ هُوَ فَوْق الْعَرْشِ فَرْدٌ مُوَحَّدُ

مَلِيكٌ عَلَى عَرْشِ السَّمَاءِ مُهَيْمِنٌ … لِعِزَّتِهِ تَعْنُو الْوُجُوهُ وَتَسْجُدُ

ويقول في وصف الملائكة [من الطويل]:

فَمِنْ حَامِلٍ إِحْدَى قَوَائِمِ عَرْشِهِ … وَلَوْلَا إِلَهُ الْخَلْقِ كَلُّوا وَأَبْلَدُوا


(١) "الهجير": الخاثر، و"النمير": العذب.