وبه قال الحسن، وأهل البصرة، وكذلك قال عروة بن الزبير، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وسليمان بن يسار، ومن تبعهم من أهل المدينة، وبه قال الشعبيّ، ومن وافقه من أهل الكوفة، وكذلك قال مكحول، وأهل الشام، وبه قال مالك بن أنس، والأوزاعيّ، وسفيان الثوريّ، والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، وأجمع كل مَن نَحْفَظ عنه من أهل العلم، وكلُّ مَن لَقِيتُ منهم على القول به.
قال: وقد رَوَينا عن ابن المبارك أنه قال: ليس في المسح على الخفين اختلاف أنه جائز، قال: وذلك أن كل مَن رُوي عنه من أصحاب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه كَرِهَ المسح على الخفين، فقد رُوِي عنه غيرُ ذلك.
قال ابن المنذر: وإنما أنكر المسح على الخفين مَن أنكر الرجم، وأباح أن تُنكَح المرأة على عمتها، وعلى خالتها، وأباح للمطلقة ثلاثًا الرجوع إلى الزوج الأول إذا نكحها الثاني، ولم يدخل بها، وأسقط الجلد عمن قذف مُحْصَنًا من الرجال، وإذا ثبت الشيء بالسنة وجب الأخذ به، ولم يكن لأحد عذرٌ في تركه، ولا التخلف عنه. انتهى كلام ابن المنذر رحمه الله ملخّصًا (١)، وهو بحثٌ نفيسٌ جدًّا.
وقال الحافظ أبو عمر بن عبد البرّ رحمه اللهُ في كتابه "التمهيد"(١١/ ١٣٤) ما ملخّصه: لا خلاف بين أهل السنة، أهل الفقه والأثر، في جواز المسح على الخفين بالحجاز، والعراق، والشام، وسائر البلدان، وما خالف في ذلك إلا قومٌ ابتدعوا، فأنكروه، وقالوا: إنه خلاف القرآن، وعسى القرآن نسخه، ومعاذَ الله أن يخالف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتاب الله عز وجل، بل بَيَّنَ مراد الله منه كما أمره الله عز وجل في قوله:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}[النحل: ٤٤]، وقال:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} الآية [النساء: ٦٥].
والقائلون بالمسح جمهور الصحابة، والتابعين، وفقهاء المسلمين قديمًا وحديثًا، وكيف يُتَوَهَّم أن هؤلاء جاز عليهم جهل معنى القرآن، أعاذنا الله من الخذلان. رَوَى ابنُ عيينة، والثوريّ، وشعبة، وأبو معاوية، وغيرهم عن