للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

النبيّ - صلى الله عليه وسلم - معه إلى جماعة عبد القيس كتابًا، فذَهَب به، وكَتَمَه أيامًا، ثم اطَّلَعت عليه امرأته، وهي بنت المنذر بن عائذ - بالذال المعجمة - ابن الحارث، والمنذر هو الأشجّ، سَمّاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - به؛ لأثر كان في وجهه، وكان منقذ ل - رضي الله عنه - يصلي، ويقرأ، فنَكِرَت امرأته ذلك، فذكرته لأبيها المنذر، فقالت: أنكرت بَعْلي منذ قَدِمَ من يثرب، إنه يغسل أطرافه، ويستقبل الجهة - تعني القبلة - فيَحنِي ظهره مرّةً، ويضع جَبِينه مرةً، ذلك دَيْدَنه منذ قَدِمَ، فتلاقيا، فتجاريا ذلك، فوقع الإسلام في قلبه، ثم ثار الأشجّ إلى قومه عَصَرَ ومُحَارِب بكتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقرأه عليهم، فوقع الإسلام في قلوبهم، وأجمعوا على المسير إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسار الوَفْدُ، فلما دَنَوْا من المدينة، قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لجلسائه: "أتاكم وَفْدُ عبد القيس خير أهل المشرق، وفيهم الأشجّ العصَريّ، غير ناكثين، ولا مُبَدِّلين، ولا مُرْتابين؛ إذ لم يُسْلِم قوم حتى وُتِرُوا"، نقله النوويّ عن صاحب "التحرير" (١).

(فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله، إِنَّا) هي "إنّ" واسمها ضمير المتكلمين، وأصلها: إنّنا، فحذفت النون الثانية من "إنّ" تخفيفًا؛ لتوالي الأمثال، ثم أدغمت في "نا"، وقوله: (هَذَا الْحَيَّ) اسم الإشارة في محلّ نصب على الاختصاص، أي نخصّ هذا، والاختصاص مثلُ النداء، كما قال في "الخلاصة":

الاخْتِصَاصُ كَنِدَاءٍ دُونَ "يَا" … كَـ"أَيُّهَا الْفَتَى "بإِثْرِ "ارْجُونِيَا"

وَقَدْ يُرَى ذَا دُونَ "أَيِّ" تِلْوَ "أَلْ" … كَمِثْلِ "نَحْنُ الْعُرْبَ أًسْخَى مَنْ بَذَلْ"

وقوله: "الحيّ" نعت له، أو بدل، أو عطف بيان، على ما قيل:

مُعَرَّفٌ بَعْدَ إِشَارَةٍ بـ "أَلْ" … يُعْرَب نَعْتًا أَوْ بَيَانًا أَوْ بَدَلْ

وأما قول ابن الصلاح (٢) إن لفظ "الحيّ" منصوب على الاختصاص، ففيه تجوّز؛ لأن هذا الإعراب لاسم الإشارة، وأما لفظ "الحيّ" فتابع له، كما قررناه آنفًا، فتفطّن.

[تنبيه]: "الْحيّ" قال ابن سيده: إنه بطن من بطون العرب، وفي "المطالع": هو اسم لمنزل القبيلة، ثم سُمّيت القبيلة به، وذكر الجواني في


(١) راجع "شرح النوويّ" ١/ ١٨١.
(٢) "الصيانة" ص ١٤٨.