للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

التدافن؛ حذرًا من عذاب القبر، أو لاشتغل كلٌّ بخويصته حتى يفضي بهم إلى ترك التدافن، وقيل: "لا" زائدة، ومعناه: لولا أن تموتوا من سماعه، فإن القلوب لا تطيق سماعه، فيصعق الإنسان لوقته، فكَنَى عن الموت بالتدافن، ويرشد إليه قوله في الحديث الآخر: "لو سمعه الإنسان لصعق"؛ أي: مات، وفي رواية لأحمد: "لولا أن تدافنوا" بإسقاط "لا"، وهو يدلّ على زيادتها في تلك الرواية، وقيل: أراد: لأسمعتكم عذاب القبر؛ أي: صوته؛ ليزول عنكم استعظامه، واستبعاده، وهم وإن لم يستبعدوا جميع ما جاء به، كنزول الملَك وغيره، من الأمور المغيبة، لكنه أراد أن يتمكن خبره من قلوبهم تمكنَ عيان، وليس معناه أنهم لو سمعوا ذلك تركوا التدافن؛ لئلا يصيب موتاهم العذاب، كما قيل، لأن المخاطبين وهم الصحابة -رضي الله عنه- عالمون بأن العذاب -أي: عذاب الله- لا يُرَدّ بحيلة، فمن شاء تعذيبه عذّبه، ولو ببطن حوت، بل معناه: لو سمعوا عذابه تركوا دفن الميت؛ استهانة به، أو لِعجزهم عنه؛ لدهشتهم، وحيرتهم، أو لفزعهم، وعدم قدرتهم على إقباره، أو لئلا يحكموا على كل من اطلعوا على تعذيبه في قبره بأنه من أهل النار، فيتركوا الترحم عليه، وترجّي العفو له، وإنما أحب -صلى الله عليه وسلم- إسماعهم عذاب القبر دون غيره، من الأهوال؛ لأنه أول المنازل.

وفيه أن الكشف بحسب الطاقة، ومن كوشف بما لا يطيقه هلك. انتهى (١).

(ثُمَّ أَقْبَلَ) النبيّ -صلى الله عليه وسلم- (عَلَيْنَا) وقوله: (بِوَجْهِهِ) تأكيد لـ "أقبل"، كقولك: رأيته بعيني؛ لمزيد الاهتمام بشأن التذكير (٢). (فَقَالَ) -صلى الله عليه وسلم- للحاضرين: ("تَعَوَّذُوا باللهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ" أي: اطلبوا منه أن يدفع عنكم عذابها، (قَالُوا: نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ عذَابِ النَّارِ)؛ أي: نعتصم به منها، (فَقَالَ) -صلى الله عليه وسلم- ("تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ") قال القاري -رحمه الله-: ولعل تقديم عذاب النار في الذِّكر، مع أن عذاب القبر مقدَّم في الوجود؛ لكونه أشدّ، وأبقى، وأعظم، وأقوى (٣). (قَالُوا: نَعُوذُ


(١) "فيض القدير" ٥/ ٣٤١.
(٢) "الكاشف عن حقائق السنن" ٢/ ٥٩٣.
(٣) "مرقاة المفاتيح" ١/ ٣١٨.