للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

بحال، من الضمير في قوله: {مَاتَ}؛ أي: مات متصفًا بصفة النفاق؛ كقولهم: أنت مني؛ يعني على طريقتي، وجملةُ "مات" صفة لـ "أحد" أيضًا، أو حال منه، لوصفه بالجارّ والمجرور؛ إذ القاعدة أن الجملة وشِبهها بعد النكرات صفات، وبعد المعارف أحوال. ({أَبَدًا}) ظرف لـ "لا تصلّ"، وهو لتأييد النفي. ({وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ})؛ يعني: لا تقف عليه، ولا تتولّ دفنه، من قولهم: قام فلان بأمر فلان؛ إذا كفاه أمره، وناب عنه فيه.

وقال الإمام ابن جرير الطبري -رَحِمَهُ اللَّهُ-: يقول جل ثناؤه لنبيّه محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-: ولا تصلِّ يا محمد، على أحد مات من هؤلاء المنافقين الذين تخلفوا عن الخروج معك أبدًا، ولا تقم على قبره، يقول: ولا تتولَّ دفنه وتقبيره، من قول القائل: قام فلان بأمر فلان، إذا كفاه أمرَه. ({إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ})، يقول: إنهم جحدوا توحيد اللَّه تعالى، ورسالة رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، وماتوا وهم خارجون من الإسلام، مفارقون أمرَ اللَّه ونهيه. انتهى (١).

قال الزجاج: معنى قوله: {وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا دفن الميت وقف على قبره، ودعا له، فمُنِع هنا منه، وقيل: معناه: لا تقم بمهمات إصلاح قبره، وجملة: {إِنَّهُمْ كَفَرُوا} تعليل للنهي، وإنما وصفهم بالفسق بعد وصفهم بالكفر؛ لأن الكافر قد يكون عدلًا في دينه، والكذب، والنفاق، والخداع، والجبن، والخبث، مستقبحة في كل دين (٢).

[تنبيه]: قال في "الفتح": ظاهر الآية يدلّ على أنها نزلت في جميع المنافقين، لكن ورد ما يدلّ على أنها نزلت في عدد معيّن منهم، قال الواقديّ: أنبأنا معمر، عن الزهريّ، قال حذيفة: قال لي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إني مسرّ إليك سرًّا، فلا تذكره لأحد، إني نُهيت أن أصلي على فلان وفلان، رهط، ذوي عدد، من المنافقين؛ قال: فلذلك كان عمر إذا أراد أن يصلي على أحد استتبع حذيفة، فإن مشى مشى معه، وإلا لم يصلّ عليه"، ومن طريق أخرى، عن جبير بن مطعم، أنهم اثنا عشر رجلًا، قال الحافظ: ولعل الحكمة في اختصاص المذكورين بذلك أن اللَّه علم أنهم يموتون على الكفر، بخلاف مَن


(١) "تفسير الطبريّ" ١٤/ ٤٠٥.
(٢) "فتح القدير" للشوكانيّ ٣/ ٢٩٦.