للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

إطلاق اسم السبب على المسبَّب؛ لأنَّ مشاهدة الأشياء طريق إلى الإخبار عنها، والهمزة فيه مُقَرِّرة؛ أي: قد رأيت ذلك، فأخبرني به (١). (مَا يَعْمَلُ النَّاسُ)؛ أي: من الخير والشر، (الْيَوْمَ)؛ أي: في الدنيا، (وَيَكْدَحُونَ فِيهِ)؛ أي: يسعون في تحصيله بجهد وكدّ؛ أي: تعب، قال الطيبيّ: "الكدح": جهد النفس في العمل، والكدّ فيه حتى يؤثّر فيها، مِن كدح جلده: إذا خدشه، كذا في "الكشّاف"، وقال القرطبيّ: "الكدح": السعي في العمل لدنيا كان أو للآخرة، وأصله العمل الشاقّ، والكسب المتعب. انتهى (٢).

وقال المرتضى -رَحِمَهُ اللهُ-: كَدَحَ في العَمَلِ: كمنَعَ: سَعَي، يَكدَح كَدْحًا، وقال أَبو إِسحاق: الكَدْحُ في اللُّغَة: السَّعْيُ، والحِرْص، والدُّؤوب في العمل، في بابِ الدُّنيا والآخرة، قال ابن مُقْبِل [من الطويل]:

وما الدّهْرُ إِلّا تارَتانِ فمِنْهُما … أَمُوتُ وأُخْرَى أَبْتَغِي العَيْشَ أَكْدَحُ

أَي: تارةً أَسعَى في طَلب العَيْشَ، وأَدأَب، وكَدَحَ الإِنسانُ: عَمِلَ لنَفْسه خَيْرًا، أَو شَرًّا، ومنه قوله تعالى: {إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا} [الانشقاق: ٦]، قال الجوهَرِيّ: أَي: تَسعَي، وكَدَحَ: كَدَّ، وهو يَكدَح في كذَا: أي: يَكُدُّ، وأَصابه شَيْءٌ، فكدَحَ وَجْهَه؛ أَي: خَدَشَ، أَو كَدَحَ وَجْهَ فُلانٍ: إِذا عَمِلَ به ما يَشِينُه، ككَدّحَه تَكديحًا، فتَكدَّحَ: خَدَشَه، فتَخدّشَ، أَو كدَحَ وَجْهَ أَمْره: إِذا أَفسَدَه، وكَدَحَ لِعيَالِه: كَسَبَ، كاكتَدَحَ؛ أَي: اكتسَب. انتهى (٣).

(أَشَيْءٌ) خبر مبتدأ محذوف؛ أي: أهو شيء (قُضِيَ عَلَيْهِمْ) بالبناء للمفعول؛ أي: قُدّر فِعله عليهم، (وَمَضَى عَلَيْهِمْ) بالبناء للفاعل؛ أي: نفذ في حقّهم، (مِنْ قَدَرِ مَما سَبَقَ) هكذا معظم النسخ بـ "ما" بعد "قدر"، ووقع في بعض النسخ: "بقدر قد سبق"، كما هو الآتي بعدُ، وهو واضح، وعلى الأول يكون "قدر" منوّنًا، و"ما" زائدة للتأكيد، و"سبق" صفة لـ "قدرٍ"، ويَحتَمِل أن يكون "قدر" مضافًا لـ "ما"، وهي موصولة؛ أي: للأمر الذي سبق، والإضافة بيانيّة.

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قوله: "من قدر": "من" يجوز أن تكون بيانًا


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ٢/ ٥٤٠.
(٢) "المفهم" ٦/ ٦٦١.
(٣) "تاج العروس" ص ١٧٢٣.