للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

هي بالنسبة إليه تكون سرقة، وزنا، وصلاةً، وصومًا، والله تعالى خالقها بمشيئته، وليست بالنسبة إليه كذلك؛ إذ هذه الأحكام هي للفاعل الذي قام به هذا الفعل، كما أن الصفات هي صفات للموصوف الذي قامت به، لا للخالق الذي خلقها، وجعلها صفات، والله تعالى خلق كل صانع وصُنعته، كما جاء في الحديث، وهو خالق كل موصوف وصفته.

ثم صفات المخلوقات ليست صفات له؛ كالألوان، والطعوم، والروائح؛ لعدم قيام ذلك به، وكذلك حركات المخلوقات ليست حركات له، ولا أفعالًا له بهذا الاعتبار؛ لكونها مفعولات، هو خلقها، وبهذا الفرق تزول شبهٌ كثيرة، والأمر الذي كتبه على نفسه يستحق عليه الحمد والثناء، وهو مقدَّس عن تَرْك هذا الذي لو تُرك لكان تَرْكه نقصًا، وكذلك الأمر الذي حرّمه على نفسه يستحق الحمد والثناء على ترْكه، وهو مقدّس عن فعله الذي لو كان لأوجب نقصًا.

وهذا كله بَيِّنٌ - ولله الحمد - عند الذين أوتوا العلم والأيمان، وهو أيضًا مستقرّ في قلوب عموم المؤمنين، ولكن القدرية شبّهوا على الناس بشبههم، فقابلهم مَن قابلهم بنوع من الباطل؛ كالكلام الذي كان السلف والأئمة يذمونه، وذلك أن المعتزلة قالوا: قد حصل الاتفاق على أن الله ليس بظالم، كما دلّ عليه الكتاب والسُّنَّة، والظالم مَن فَعل الظلم، كما أن العادل من فعل العدل، هذا هو المعروف عند الناس، من مسمى هذا الاسم سمعًا وعقلًا، قالوا: ولو كان الله خالقًا لأفعال العباد التي هي الظلم لكان ظالِمًا، فعارضهم هؤلاء بأن قالوا: ليس الظالم من فعل الظلم، بل الظالم من قام به الظلم، وقال بعضهم: الظالم من اكتسب الظلم، وكان منهيًّا عنه، وقال بعضهم: الظالم من فعل محرّمًا عليه، أو ما نُهي عنه.

ومنهم من قال: من فعل الظلم لنفسه، وهؤلاء يَعْنون أن يكون الناهي له والمحرِّم عليه غيره الذي يجب عليه طاعته، ولهذا كان تصوّر الظلم منه ممتنعًا عندهم لذاته؛ كامتناع أن يكون فوقه آمر له وَنَاهٍ، ويمتنع عند الطائفتين أن يعود إلى الربّ من أفعاله حُكم لنفسه، وهؤلاء لم يمكنهم أن ينازعوا أولئك في أن العادل مَن فَعَل العدل، بل سلّموا ذلك لهم، وإن نازعهم بعض الناس منازعة عناديّةً، والذي يكشف تلبيس المعتزلة أن يقال لهم: الظالم والعادل الذي يعرفه