أسباط بن نصر، وقَطَن بن نسير، وأحمد بن عيسى، قال لي مسلم: إنما قلت: صحيح، وإنما أدخلت من حديث أسباط، وقطن، وأحمد، ما قد رواه الثقات عن شيوخهم، إلا أنه ربما وقع إليّ عنهم بارتفاع، ويكون عندي من رواية أوثق منهم بنزول، فأقتصر على ذلك، وأصل الحديث معروف من رواية الثقات، وقَدِمَ مسلم بعد ذلك الرَّيَّ، فبلغني أنه خرج إلى أبي عبد الله، محمد بن مسلم بن وَارَةَ، فجفاه وعاتبه على هذا الكتاب، وقال له نحوًا مما قاله لي أبو زرعة: إن هذا يُطْرِق لأهل البدع علينا، فاعتذر إليه مسلم، وقال: إنما أخرجت هذا الكتاب، وقلت: هو صحيح، ولم أقل: إن ما لم أخرجه من الحديث في هذا الكتاب ضعيف، ولكني إنما أخرجت هذا من الحديث الصحيح؛ ليكون مجموعًا عندي، وعند من يكتبه عني، فلا يرتاب في صحتها، ولم أقل: إن ما سواه ضعيف، أو نحو ذلك، مما اعتذر به إلى محمد بن مسلم، فقَبِلَ عذره، وحَدَّثَه. والله تعالى أعلم (١).
قال الجامع عفا الله عنه: حاصل جواب مسلم -رحمه الله- عن الانتقاد الأول، وهو إخراجه لأسباط ونحوه: أنه إنما أخرج لهؤلاء؛ طلبًا للعلوّ؛ لاختصاره، حيث يكون الحديث ثابتًا من طريق الثقات نازلًا عليه، فَيُؤْثِرُ طريق هؤلاء اختصارًا، وهذا عذر مقبول؛ لأن الحديث ثابت عنده عن الثقات، وإنما تركهم لنزول طريقهم.
وأما الجواب عن الثاني وهو الانتقاد بأن هذا يُطْرِق لأهل البدع. . . إلخ، فإنه أجاب عنه بأنه لم يقل: إنه جمع الأحاديث الصحيحة كلها في كتابه، وإنما قال: إن جميع ما في كتابه صحيح، ولا يلزم منه نفي الصحّة عن غيره حتى يتمسّك به أهل البدع، وهذا أيضًا جواب سديد، ولذا قَبِلَ الجوابين كل من أبي زرعة، ومحمد بن مسلم بن وَرَاة، فتنبّه، والله تعالى أعلم.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا [٢١/ ٦٠٣٤](٢٣٢٩)، و (ابن أبي شيبة) في "مصنّفه"(٦/ ٣٢٣)، و (الطبرانيّ) في "الكبير"(٢/ ٢٢٨)، والله تعالى أعلم.