ولايته بمنزلة ما سمعه من الشهود قبل ولايته، وما علمه في ولايته بمنزلة ما سمعه من الشهود في ولايته.
قال: ولنا قول النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إليّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحوِ ما أسمع منه"، فدل على أنَّه إنما يقضي بما يَسمع، لا بما يَعلم، وقال النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضية الحضرمي، والكندي:"شاهداك أو يمينه، ليس لك منه إلَّا ذاك"، ورُوي عن عمر - رضي الله عنه - أنه تداعى عنده رجلان، فقال له أحدهما: أنت شاهدي، فقال: إن شئتما شهدت ولم أحكم، أو أحكم ولا أشهد. وذكر ابن عبد البر في "كتابه" عن عائشة - رضي الله عنها -: أن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث أبا جَهْم على الصدقة، فلاحاه رجل في فريضة، فوقع بينهما شجاج، فأتوا النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأعطاهم الأرْشَ، ثم قال:"إني خاطب الناس، ومخبرهم أنكم قد رضيتم، أرضيتم؟! قالوا: نعم، فَصَعِد النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فخطب، وذكر القصة، وقال: "أرضيتم؟! قالوا: لا، فَهَمَّ بهم المهاجرون، فنزل النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأعطاهم، ثم صعد، فخطب الناس، ثم قال:"أرضيتم؟ " قالوا: نعم. وهذا يبيّن أنه لَمْ يأخذ بعلمه. ورُوي عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - أنه قال: لو رأيت حَدًّا على رجل لَمْ أَحُدّه حتى تقوم البينة، ولأن تجويز القضاء بعلمه يفضي إلى تهمته، والحكم بما اشتهي، ويحيله على علمه، فأما حديث أبي سفيان فلا حجة فيه؛ لأنه فتيا، لا حكمٌ بدليل أن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أفتى في حق أبي سفيان من غير حضوره، ولو كان حُكمًا عليه لَمْ يحكم عليه في غَيبته، وحديث عمر الذي رووه كان إنكارًا لمنكَر رآه، لا حكمٌ، بدليل أنه ما وُجدت منهما دعوى وإنكار بشروطهما، ودليل ذلك ما رويناه عنه، ثم لو كان حكمًا كان معارَضًا بما رويناه عنه، ويفارق الحكم بالشاهدين، فإنه لا يفضي إلى تهمة، بخلاف مسألتنا، وأما الجرح والتعديل، فإنه يحكم فيه بعلمه بغير خلاف؛ لأنه لو لَمْ يحكم فيه بعلمه لتسلسل، فإن المُزَكِّيَيْن يحتاج إلى معرفة عدالتهما وجرحهما، فإذا لَمْ يعمل بعلمه احتاج كلّ واحد منهما إلى مُزَكِّيَيْن، ثم كلّ واحد منهما يحتاج إلى مزكيين، فيتسلسل، وما نحن فيه بخلافه. انتهى كلام ابن قُدامة - رَحِمَهُ اللهُ - (١).