له، ويعتقدون فيه ما يتبرأ هو منه، وكيف لا تكون أقوال أبي بكر وعمر، وأفعالهما سُنَّة، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر"؟!. انتهى (١)، والله تعالى أعلم.
(المسألة الرابعة): أخرج الإمام البخاريّ رحمه الله في "صحيحه" حديث السائب بن يزيد - رضي الله عنه - قال:"كنّا نُؤتَى بالشارب على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإمرة أبي بكر، فصدرًا من خلافة عمر، فنقوم إليه بأيدينا، ونعالنا، وأرديتنا، حتى كان آخر إمرة عمر، فجلد أربعين، حتى عَتَوْا، وفَسَقوا جلد ثمانين". انتهى.
وقد أفاض الحافظ رحمه الله في شرح هذا الحديث، وذكر فيه مباحث جيّدة مفيدةً لها تعلّق بحديث عليّ - رضي الله عنه - هذا الذي أخرجه مسلم هنا، أحببت إيرادها هنا ملخّصةً؛ لشدّة تعلّقها بما نحن فيه، من توضيح حديث عليّ - رضي الله عنه - المذكور، ولا سيّما وقد طعن الطحاويّ في صحّته، كما سيأتي بيانه مع الردّ عليه.
قال رحمه الله: قوله: "حتى كان آخر إمرة عمر فجلد أربعين" ظاهره أن التحديد بأربعين إنما وقع في آخر خلافة عمر، وليس كذلك؛ لِمَا في قصة خالد بن الوليد، وكتابته إلى عمر، فإنه يدلّ على أن أَمْر عمر بجلد ثمانين كان في وسط إمارته؛ لأن خالدًا مات في وسط خلافة عمر، وإنما المراد بالغاية المذكورة أوّلًا استمرار الأربعين، فليست الفاء معقبة لآخر الإمرة، بل لزمان أبي بكر، وبيان ما وقع في زمن عمر، فالتقدير: فاستمرّ جلد أربعين، والمراد بالغاية الأخرى في قوله:"حتى إذا عَتَوا": تأكيد الغاية الأولى، وبيان ما صَنَع عمر بعد الغاية الأولى، وقد أخرجه النسائيّ من رواية المغيرة بن عبد الرحمن، عن الجعيد بلفظ:"حتى كان وسط إمارة عمر، فجلد فيها أربعين، حتى إذا عتوا"، وهذه لا إشكال فيها.
وقوله:"جلد ثمانين" وقع في مرسل عُبيد بن عُمير أحد كبار التابعين فيما أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عنه، نحو حديث السائب، وفيه: أن عمر جعله أربعين سوطًا، فلما رآهم لا يتناهون جعله ستين سوطًا، فلما رآهم لا يتناهون جعله ثمانين سوطًا، وقال: هذا أدنى الحدود، وهذا يدل على أنه وافق