للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

واتّفقوا على أن من قال: لا أفعل كذا إن شاء الله، إذا قصد به التبرّك فقط، ففعل يحنث، وإن قصد به الاستثناء، فلا حنث عليه.

واختلفوا إذا أطلق، أو قدّم الاستثناء على الحلف، أو أخّره، هل يفترق الحكم؟، وقد تقدّم في الطلاق.

واتّفقوا على دخول الاستثناء في كل ما يُحلَف به، إلا الأوزاعيّ، فقال: لا يدخل في الطلاق، والعتق، والمشي إلى بيت الله، وكذا جاء عن طاوس، وعن مالك مثله، وعنه إلا المشي. وقال الحسن، وقتادة، وابن أبي ليلى، والليث: يدخل في الجميع، إلا الطلاق. وعن أحمد: يدخل الجميع إلا العتق. واحتجّ بتشوّف الشارع له. وورد فيه حديث عن معاذ -رضي الله عنه- رفعه: "إذا قال لامرأته: أنت طالقٌ إن شاء الله، لم تطلق، وإن قال لعبده: أنت حرّ، إن شاء الله، فإنه حرّ"، قال البيهقيّ: تفرّد به حميد بن مالك، وهو مجهول، واختُلف عليه في إسناده.

واحتَجّ من قال: لا يدخل في الطلاق بأنه لا تحلّه الكفّارة، وهي أغلظ على الحالف من النطق بالاستثناء، فلمّا لم يحلّه الأقوى، لم يحلّه الأضعف.

وقال ابن العربيّ: الاستثناء أخو الكفّارة، وقد قال الله تعالى: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة: ٨٩]، فلا يدخل في ذلك إلا اليمين الشرعيّة، وهي الحلف بالله. انتهى.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن ما قاله ابن العربيّ رحمه الله من أن الاستثناء لا يدخل إلا اليمين الشرعية، وهي الحلف بالله أو بصفة من صفاته هو الأقرب؛ لِمَا ذكره.

والحاصل أن الاستثناء في اليمين ينفع إذا كان متّصلًا اتصالًا عرفيًّا، فلا يضرّه الانقطاع الضروريّ، كالسعال، والعطاس، ونحو ذلك، كما هو مذهب مالك والشافعيّ، وغيرهما، وهذا هو الذي يدلّ عليه ظاهر حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- مرفوعًا: "من حلف، فقال: إن شاء الله، لم يحنث"، وهو حديث صحيح، كما أسلفته، فتبصّر، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب.