للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

هذا فقد ظهر ولاح: أنهم لم يزهدوا ولا تورعوا عن مباح. انتهى (١).

وقال النوويّ رحمه الله: معنى قوله: "لا يعلمهنّ كثير من الناس" أنها ليست بواضحة الحل، ولا الحرمة، فلهذا لا يعرفها كثير من الناس، ولا يعلمون حكمها، وأما العلماء فيعرفون حكمها بنصّ، أو قياس، أو استصحاب، أو غير ذلك، فإذا تردد الشيء بين الحلّ والحرمة، ولم يكن فيه نصّ، ولا إجماع، اجتَهَدَ فيه المجتهد، فألحقه بأحدهما بالدليل الشرعيّ، فإذا ألحقه به صار حلالًا، وقد يكون دليله غير خال عن الاحتمال البيّن، فيكون الورع تركه، ويكون داخلًا في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "فمن اتقى الشبهات، فقد استبرأ لدينه وعرضه"، وما لم يَظهر للمجتهد فيه شيء، وهو مشتبه، فهل يؤخذ بحله، أم بحرمته، أم يُتَوَقَّف فيه؟ ثلاثة مذاهب، حكاها القاضي عياض وغيره، والظاهر أنها مُخَرَّجة على الخلاف المذكور في الأشياء قبل ورود الشرع، وفيه أربعة مذاهب: الأصح أنه لا يُحكم بحلّ، ولا حرمةُ ولا إباحة، ولا غيرها؛ لأن التكليف عند أهل الحقّ لا يثبت إلا بالشرع، والثاني أن حكمها التحريم، والثالث الإباحة، والرابع التوقف، والله أعلم. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: عندي أن الأرجح القول بالإباحة في المنافع، وبالتحريم في المضارّ؛ لقوله تعالى في معرض الامتنان: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} الآية [البقرة: ٢٩] ولا يمتنّ الله تعالى إلا بما أباحه، ولمَا صحّ من قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا ضَرَر، ولا ضِرار"، حديث صحيح، رواه أحمد، وغيره؛ أي: لا يجوز في ديننا إلحاق الضرر بنفسه، أو بغيره، والله تعالى أعلم.

وقال في "الفتح": واختُلِف في حكم الشبهات، فقيل: التحريم، وهو مردود، وقيل: الكراهة، وقيل: الوقف، وهو كالخلاف فيما قبل الشرع.

وحاصل ما فسّر به العلماء الشبهات أربعة أشياء:

[أحدهما]: تعارض الأدلة، كما تقدم.

[ثانيها]: اختلاف العلماء، وهي منتزعة من الأولى.

[ثالثها]: أن المراد بها مسمى المكروه، لأنه يجتذبه جانبا الفعل والترك.


(١) "المفهم" ٤/ ٤٨٨ - ٤٨٩.
(٢) "شرح النوويّ" ١١/ ٢٧ - ٢٨.