٤ - (ومنها): ما كان عليه الصحابة -رضي الله عنهم- من عنايتهم بتبليغ السنّة إلى الأمة، فإن أبا موسى -رضي الله عنه- لم يزل يُفتي الناس بذلك إلى أن خالفه عمر -رضي الله عنه-، فتوقف.
٥ - (ومنها): أن المجتهد ربما يخالف بعض السنن، مع علمه بها لتأويل يراه، ولا لوم عليه في ذلك، وإنما يُذَكّر لعله يتذكّر.
٦ - (ومنها): أن العلة التي كره عمر -رضي الله عنه- التمتع من أجلها هي كون حال المتمتع مخالفًا لحال الحاجّ من كونه أشعث، أغبر، فإنه قال -كما سيأتي-: "ولكن كرهت أن يظلُّوا مُعْرِسين بهنّ في الأراك"، لكن مثل هذا الرأي المخالف لصريح السنة، وإن كان صاحبه يُعذر باجتهاده لا يُلتفت إليه.
٧ - (ومنها): ما كان عليه الصحابة من تعظيم ولاة الأمور، فإن أبا موسى الأشعريّ -رضي الله عنه- ترك فتياه، وأمر الناس بأن يتئدوا عما أفتاهم به؛ إذ سمع أن عمر -رضي الله عنه- خالفه فيه.
٨ - (ومنها): بيان الأدب مع ولاة الأمور، وإن وقعوا في المخالفة، فلا ينبغي إساءة القول أو الفعل لهم، حيث إن أبا موسى خاطب عمر -رضي الله عنهما- بأسلوب أدبيّ، فقال: يا أمير المؤمنين ما هذا الذي أحدثت في شأن النسك؟، مع أنه يعلم أنه مخالف لما ثبت عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فينبغي لمن رأى مخالفة من وليّ أمره أن يلاطفه، ويخاطبه باحترام وتعظيم، ولا يُعنّفه، ولا يسيء له القول أو الفعل، والله تعالى أعلم
٩ - (ومنها): بيان أن الأكابر أحيانًا يقعون في خلاف السنّة؛ اجتهادًا منهم، فإن عمر -رضي الله عنه- خالف ما صحّ عنه -صلى الله عليه وسلم- من جواز فسخ الحج إلى العمرة، أو من جواز الاعتمار في أشهر الحج بسبب رأي رآه، فيُعتذر له بالتأويل، ولا ينقص ذلك من قدره شيئًا.
١٠ - (ومنها): أن المجتهد ينبغي له إذا بلغه من غيره خلاف ما يعتقده أن يتأنى حتى يعرف دليل ذلك المخالف، فلعلّ عنده حجة أقوى من حجته، فيرجع إليها، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.