ذهب الجمهور إلى أن أهل مكة يجب عليهم الخروج إلى أدنى الحلّ؛ كالتنعيم، عملًا بقصّة عائشة - رضي الله عنها -، حيث أمرها النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بالخروج إلى التنعيم للعمرة.
قال الإمام أبو محمد بن حزم - رحمه الله -: ومن أراد العمرة - وهو بمكة - إما من أهلها، أو من غير أهلها، ففَرْضٌ عليه أن يخرج للإحرام بها إلى الحلّ، ولا بدّ، فيخرج إلى أي الحلّ شاء، ويهلّ بها؛ فلأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر عبد الرحمن بن أبي بكر بالخروج من مكة إلى التنعيم ليعتمر بها منه، واعتمر - عليه السلام - من الجعرانة، فوجب ذلك في العمرة خاصّة. انتهى (١).
وقال العلّامة ابن قدامة عند قول الخرقيّ - رحمهما الله تعالى -: "وأهل مكة إذا أرادوا العمرة، فمن الحلّ، وإذا أرادوا الحجّ فمن مكة" ما حاصله: أهل مكة من كان بها، سواء كان مقيمًا بها، أو غير مقيم؛ لأن كل من أتى على ميقات كان ميقاتًا له، فكذلك كلّ من كان بمكة، فهي ميقاته للحجّ؛ وإن أراد العمرة، فمن الحلّ، لا نعلم في هذا خلافًا، ولذلك أمر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عبد الرحمن بن أبي بكر أن يُعمر عائشة - رضي الله عنها - من التنعيم. متّفق عليه، وكانت بمكة يومئذ، والأصل في هذا قول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "حتى أهل مكة يهلّون منها"، يعني للحج، وقال أيضًا:"ومن كان أهله دون الميقات، فمن حيث يُنشئ، حتى يأتي ذلك على أهل مكة"، وهذا في الحج، فأما في العمرة فميقاتهم في حقّهم الحلّ، من أي الجوانب شاء؛ لأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أمر بإعمار عائشة من التنعيم، وهو أدنى الحلّ إلى مكة.
وقال ابن سيرين: بلغني أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وقّت لأهل مكة التنعيم.
وقال ابن عبّاس - رضي الله عنهما -: يا أهل مكة من أتى منكم العمرة، فليجعل بينه وبينها بطن محسّر، يعني إذا أحرم بها من ناحية المزدلفة.
وإنما لزم الإحرام من الحلّ ليجمع في النسك بين الحلّ والحرم، فإنه لو أحرم من الحرم لَمَا جمع بينهما فيه؛ لأن أفعال العمرة كلها في الحرم،