وذهب كثير من أهل العلم إلى أن الخوارج فُسّاق، وأنهم يُجرَى عليهم حكم الإسلام؛ لتلفّظهم بالشهادتين، ومواظبتهم على أركان الإسلام.
قال القرطبيّ رحمه الله في "المفهم": والقول بتكفيرهم أظهر في الحديث، قال: وباب التكفير باب خطر، ولا نعدل بالسلامة شيئًا. انتهى.
وسيأتي تحقيق الخلاف في هذه المسألة، وبيان حجة كلّ قول، وترجيح الراجح بدليله في المسألة الخامسة- إن شاء الله تعالى، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في معنى الخوارج، ومتى خرجوا؟، وبيان سبب خروجهم:
(اعلم): أن الخوارج جمع خارجة؛ أي طائفة، وهم قوم مبتدعون، سُمُّوا بذلك لخروجهم عن الدين، وخروجهم على خيار المسلمين، وأصل بدعتهم فيما حكاه الرافعيّ في "الشرح الكبير" أنهم خرجوا على علي -رضي الله عنه- حيث اعتقدوا أنه يَعْرِف قَتَلَة عثمان -رضي الله عنه- ويَقْدِر عليهم، ولا يَقْتَصّ منهم لرضاه بقتله، أو مواطأته إياهم، كذا قال، وهو خلاف ما أطبق عليه أهل الأخبار، فإنه لا نزاع عندهم أن الخوارج لم يطلبوا بدم عثمان، بل كانوا ينكرون عليه أشياء، ويتبرءون منه، وأصل ذلك أن بعض أهل العراق أنكروا سِيرة بعض أقارب عثمان، فطَعَنوا على عثمان بذلك، وكان يقال لهم: القرّاء؛ لشدة اجتهادهم في التلاوة والعبادة، إلا أنهم كانوا يتأوّلون القرآن المراد منه، ويستبدون برأيهم، ويتنطعون في الزهد والخشوع، وغير ذلك، فلما قُتِل عثمان قاتلوا مع عليّ، واعتقدوا كُفْرَ عثمان ومن تابعه، واعتقدوا إمامة عليّ وكفر من قاتله من أهل الجمل الذين كان رئيسهم طلحة والزبير، فإنهما خرجا إلى مكة بعد أن بايعا عليًا، فلقيا عائشة وكانت حجّت تلك السنة، فاتفقوا. على طلب قَتَلَة عثمان، وخرجوا إلى البصرة يدعون الناس إلى ذلك، فبلغ عليًا، فخرج إليهم، فوقعت بينهم وقعة الجمل المشهورة، وانتصر عليٌّ، وقتل طلحة في المعركة، وقُتل الزبير بعد أن انصرف من الوقعة، فهذه الطائفة هي التي كانت تطلب بدم عثمان بالاتفاق، ثم قام معاوية بالشام في مثل ذلك، وكان أمير الشام إذ ذاك، وكان عليٌّ أرسل إليه لأن يبايع له أهل الشام، فاعتَلَّ بأن عثمان