على الإسلام رغبةً فيما يَصِل إليهم من المال؛ يعني أنه إنما أعطاهم ليستميل قلوبهم بالإحسان والمودّة.
[فائدة]: "المؤلّفة" بصيغة اسم المفعول، و"قلوبُهُم" بالرفع على أنه نائب الفاعل: أي المستمالَةُ قلوبهم بالإحسان، والمودّة، وكان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يعطيهم من الصدقات، وكانوا من أشراف العرب، فمنهم من كان يُعطيه دفعًا لأذاه، ومنهم من كان يعطيه طَمَعًا في إسلامه، وإسلام أتباعه، ومنهم من كان يُعطيه ليَثْبُت على إسلامه؛ لقرب عهده بالجاهليّة، قاله الفيّوميّ رحمه الله.
وقال العلّامة القرطبيّ رحمه الله في "تفسيره": هم قوم كانوا في صدر الإسلام ممن يُظهر الإسلام، يُتَألّفون بدفع سهم من الصدقة إليهم لضعف يقينهم، قال الزهريّ: المؤلّفة مَن أسلم من يهوديّ، أو نصرانيّ، وإن كان غنيًّا.
وقال بعض المتأخّرين: اختُلِف في صفتهم؛ فقيل: هم صنف من الكفّار يُعطَون ليتألّفوا على الإسلام، وكانوا لا يُسلمون بالقهر والسيف، ولكن يسلمون بالعطاء والإحسان. وقيل: هم قوم أسلموا في الظاهر، ولم تستيقن قلوبهم، فيُعْطَون ليتمكّن الإسلام في صدورهم. وقيل: هم قوم من عظماء المشركين لهم أتباع يُعطَون ليتألفوا أتباعهم على الإسلام. قال: وهذه الأقوال متقاربة، والقصد بجميعها الإعطاءُ لمن لا يتمكّن إسلامه حقيقةً إلا بالعطاء؛ فكأنه ضربٌ من الجهاد، والمشركون ثلاثة أصنافٌ: صنف يرجع بإقامة البرهان، وصنفٌ بالقهر، وصنفٌ بالإحسان، والإمام الناظر للمسلمين يستعمل مع كلّ صنف ما يراه سببًا لنجاته، وتخليصه من الكفر. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله (١).
(فَجَاءَ رَجُلٌ) هذا الرجل هو ذو الْخُويصرة التميميّ، كما سيأتي صريحًا بعد أربعة أحاديث، وعند أبي داود اسمه نافع، ورجحه السهيليّ، وقيل: اسمه حُرْقوص بن زهير السعديّ (كَثُّ اللِّحْيَةِ) بفتح الكاف، وتشديد الثاء المثلّثة: أي كثير شعرها، غير مسبلة، وقال ابن الأثير: الكثاثة في اللحية أن تكون غير رقيقة، ولا طويلة، ولكن فيها كثافة، يقال: رجل كَثّ اللحية، بفتح الكاف،