أما دمشق فقد فازت بما ارْتقبت ... من طارفِ السعد أو من تالد الأمل
فليهنها إن راعي حكمها يقِظٌ ... بالعلم حكم لا بالسعي والحيل
ليت ابن إدريس لاقى ابن الدروس بها ... لكان يملأ قلب الأمّ بالجذل
ليتَ القضاة الأولى عادوا لما فقدوا ... مواقع القلم المرعيّ بالمقل
ما أوضح الحكم فيها عن إمام هدى ... بالعلم متَّزر بالحلم مشتمل
لين الخلائق صعب البأس مانعه ... كأنه الجدّ بين السهل والجبل
أغرّ لو كانَ منه في الهلال سناً ... لم يستهلّ بسعدٍ غير متَّصل
وظاهريّ الأيادي غير خافيةٍ ... وليس عن شيم العليا بمعتزل
موكل بنقيَّات الأمور له ... إلى العلى عزمٌ لا وانٍ ولا وَكل
تزين العلم في عينيه حمَّلها ... كلّ الدجى وحماها النوم في الكلل
لم يكس في حلل العلياء يوسعها ... حتَّى لها عن قدود البيض في الحلل
له صفاتٌ بها الأقلام راكعةٌ ... كأنها من قبيل الصحف في قبل
سل علمه عن خفيَّاتٍ محجَّبةٍ ... وعن إحاطة أوصافٍ فلا تسل
مكارم لو رأى الطائيّ مسرحها ... لقال لا ناقتي فيها ولا جملي
ومنطق لو أراد الفخر غايته ... لبات بالريِّ يشكو بارح الغلل
وسؤدد يتدانى من تواضعه ... ولو ترقَّت إليه الشهب لم تصل
وفصل قول يلذّ الخصم موقعهُ ... حتَّى يودّ قضاءً غير منفصل
قالت يراعته والفكر يرشدها ... أصالة الرأي صانتني عن الخطل
وأنشدت وبأرضِ الشام مركزها ... أعلى الممالك ما يبنى على القلل
وعطلت كتباً في الدين مارقةً ... فكلّ درع كتاب قدَّ من قبل
قد ختمت بيضة الإسلام والْتحقت ... بعشِّ أقلامه في الحادثِ الجلل
كم من سعاة علومٍ قد تقدَّمهم ... تقدُّم السعي بالهادِي على الكفل
إذا قصصت على راوٍ له خبراً ... حلّى من الذوقِ أو حلّى من العطل
إذا شدا صوت عافية ومادحهُ ... غدا وحاشاه مثل الشارب الثمل
يا ماليَ البيت بيت الشعر من مدحٍ ... وكانَ أقفرَ بالوعساء من طلل
يا من رأى جوده العافون منسرحاً ... فوجَّهوا العيس تطوي الرمل بالرمل