أحدهما: أنه خرج مخرج العادة في الخطاب؛ فإن من أراد المدافعة عن إنسان .. قال للمتكلم فيه: ما كنتَ قائلًا لفلان، أو فاعلًا له من مكروه .. فقله لي، وافعله معي؛ ومقصوده: لا تقل ذلك فيه، ولا تفعل به.
وثانيهما: أن معناه: أن هذا الذي تظنونه شكًّا من إبراهيم أنا أولى به؛ فإنه ليس بشك منه، وإنما هو طلب لمزيد اليقين.
وقيل: غير هذا من الأقوال، ولكن اقتصرنا على ما ذكرناه؛ لكونه أصحها وأوضحها، والله أعلم.
والظرف في قوله:(إذ قال) متعلق بمحذوف حال من الشك؛ تقديره: نحن أحق بالشك من إبراهيم، حال كون الشك مظنونًا منه وقت قوله:({رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى})(١) أي: وقت طلبه من ربه إراءة كيفية إحياء الموتى حين قال: (رب أرني ... ) إلى آخره، سأله عن إراءة كيفية إحياء الموتى مع إيمانه الجازم بالقدرة الربانية، فكان يريد أن يعلم بالعيان ما كان يوقن به بالوجدان.
قال الحسن والضحاك وقتادة وعطاء بن جريج: سبب سؤاله أنه رأى جيفةً مطروحة في شط البحر، وقد توزعها دواب البحر والبر، وإذا مد البحر .. أكل منها دواب البحر، وإذا جزر البحر .. جاءت السباع فأكلت منها، وإذا ذهب السباع .. جاءت الطيور فأكلت وطارت، فلما رأى إبراهيم ذلك .. تعجب منها، وقال: يا رب؛ إني قد علمت إنك لتجمعنها من بطون السباع وحواصل الطيور وأجواف الدواب، فأرني كيف تحييها؛ لأعاين ذلك، فأزداد يقينًا، فعاتبه الله على ذلك حيث قال:({قَالَ}) لأبراهيم جل جلاله: ({أَوَلَمْ تُؤْمِنْ})؟ أي: