قال ابن كثير:(أي: أيُّ شيء يُجْدي عليكم إبلاغي لكم وإنذاري إياكم ونُصحي، إن كان الله يريد إغواءكم ودمارَكم، {هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}. أي: هو مالك أَزِمَّةِ الأمور، والمتصرِّفُ الحاكمُ العادلُ الذي لا يجورُ، له الخلقُ وله الأمرُ، وهو المبدئ المعيدُ، مالكُ الدنيا والآخرة).
قال ابن عباس:(هو من محاورة نوح لقومه). وقيل: بل هو كلام معترِضٌ وسط القصة والحديث عن مشركي قريش إذ زعموا أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - افترى هذا القرآن. واختار ابن جرير الثاني فقال:(أيقول، يا محمد، هؤلاء المشركون من قومك: افترى محمد هذا القرآن؟ وهذا الخبر عن نوح؟ قل لهم: إن افتريته فتخرصته واختلقته {فَعَلَيَّ إِجْرَامِي}، يقول: فعليَّ إثمي في افترائي ما افتريت على ربي، دونكم، لا تؤاخذون بذنبي ولا إثمي، ولا أؤاخذ بذنبكم، {وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ}، يقول: وأنا بريء مما تذنبون وتأثمون بربكم، من افترائكم عليه). واختار القرطبي أنه من محاورة نوح لقومه، ثم قال القرطبي:(وهو أظهر، لأنه ليس قبله ولا بعده إلا ذكر نوح وقومه، فالخطاب منهم ولهم {قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ} أي اختلقته وافتعلته، يعني الوحي والرسالة، {فَعَلَيَّ إِجْرَامِي} أي عقاب إجرامي، وإن كنت محقًا فيما أقوله فعليكم عقاب تكذيبي).
قلت: والبيان الإلهي يحتمل التأويلين معًا، وهو من إعجاز هذا القرآن العظيم، وجوامع كلمه وخطابه الجامع، فيجوز أن يكون الوصف لحوار نوح مع قومه، أو لاعتراض المشركين على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، فإن الشرك ملة واحدة عبر العصور والأزمان.