أي: ومن يكفر بهذا القرآن من أهل مكة والمتحزبين من المشركين على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك ممن جاء بعدهم من ملل الباطل فقد وعدهم الله جميعًا نار جهنم.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: [والذي نَفْسُ محمد بيده! لا يَسْمَعُ بي أحَدٌ من هذه الأمة يهودي ولا نَصْراني، ثم يموتُ ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار] (١).
قال ابن جرير: ({فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ}، يقول: فلا تك في شك منه، من أن موعدَ من كفر بالقرآن من الأحزاب النارُ، وأن هذا القرآن الذي أنزلناه إليك من عند الله).
وقوله: {إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ} - فيه أقوال متكاملة.
١ - قال القرطبي: {إِنَّهُ الْحَقُّ} أي القول الحق الكائن، والخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم -، والمراد جميع المُكَلَّفين).
٢ - قال ابن جرير: (إن هذا القرآن الذي أنزلناه إليك، يا محمد، الحقُّ من ربك لا شك فيه، ولكن أكثر الناس لا يصدقون بأن ذلك كذلك) - واختاره ابن كثير.
٣ - وقال النسفى: ({فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ} شك {مِنْهُ} من القرآن أو من الموعد {إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ}).
قلت: وكلها أقوال يكمِّلُ بعضها بعضًا، فالقرآن حق، والوعد والوعيد حق، وأمر الله وخطابه لرسوله حق، ولكن أكثر الناس عن ذلك غافلون غير مصدقين.
وفي التنزيل:
١ - قال تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف: ١٠٣].
٢ - وقال تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} [الأنعام: ١١٦].
٣ - وقال تعالى: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [سبأ: ٢٠].
(١) حديث صحيح. أخرجه مسلم في صحيحه - حديث رقم - (١٥٣) - كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبيّنا محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى جميع الناس، ونسخ الملل بملته، وأخرجه الطبراني (١٨٠٩٣) من حديث أبي موسى وإسناده على شرط مسلم.