فإنها تدرك صور المحسوسات بواسطة الحس المشترك، وبهذا يندفع ما يقال: إذا قيل زيد إنسان، فإما أن يكون الحاكم الحس المشترك فيرد عليه أنه إنما يدرك زيدا فقط ولا يدرك النسبة ولا المحمول الكلى- فكيف يصح الحكم منه؟ والحاكم يجب أن يدرك الطرفين، وإما أن يكون الحاكم الواهمة فيرد عليه أنها لا تدرك الموضوع ولا المحمول، فكيف تحكم؟ وإما أن يقال: الحاكم العقل- فيرد عليه أنه لا يدرك الموضوع ولا النسبة- فكيف يحكم؟ وحاصل الجواب: أنّا نختار الأخير- وهو أن الحاكم العقل، وقولكم: إنه لا يدرك الموضوع ولا النسبة إن أريد أنه لا يدركهما أصلا لا بالذات ولا بالواسطة فهو ممنوع، إذ الموضوع الجزئى يدركه بواسطة تجريده عن العوارض الجسمانية والنسبة يدركها بواسطة الواهمة، وإن أريد أنه لا يدركهما بالذات فمسلم، لكن الحكم لا يتوقف على ذلك، إذ المدار على كون الحاكم مدركا للطرفين ولو بالواسطة، ويندفع أيضا ما يقال: إن المعانى الجزئية نسب منتزعة من الصور فتعقلها متوقف على تعقل صور المحسوسات- فكيف تدركها الواهمة من غير إدراك الصور؟
وحاصل الدفع أن إدراكها للعداوة مثلا التى هى أمر جزئى يتأدى بغير طرق الحواس بذاتها وإدراكها للذئب- مثلا- الذى هو صورة يتأدى بواسطة الحواس الظاهرة بواسطة الحس المشترك؛ لأن القوى الباطنية كالمراءى المتقابلة ينعكس إلى كل ما ارتسم فى الأخرى، هذا والموافق لما تقدم من أن الوهمية سلطان القوى، وأن لها التصرف فى مدركاتها أن الحاكم إنما هو تلك القوة- هذا محصل ما فى شرح شيخنا الشيخ الملوى لألفيته، وهو مبنى على أن تلك القوى حقيقة، والذى صرح به بعض المحققين كالسيد فى حاشية شرح المطالع أن المدرك للكليات والجزئيات- سواء كانت صورا أو معانى- إنما هو النفس الناطقة لكن بواسطة هذه القوى وأن نسبة الإدراك لهذه القوى كنسبة القطع إلى السكين فى يد صاحبه، فإذا قيل لقوة من تلك القوى إنها مدركة لكذا، فالمراد أنها آلة لإدراكه، وعلى هذا فلا يرد شىء من البحثين السابقين، فإذا قلت زيد إنسان، فالحاكم النفس وهى تدرك الجميع بآلات مختلفة