للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نحو: كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً (١)) إذ ليس الغرض أن يطلب منهم كونهم قردة أو حجارة لعدم قدرتهم على ذلك، لكن فى التسخير يحصل الفعل؛ أعنى:

صيرورتهم قردة، وفى الإهانة لا يحصل؛ إذ المقصود قلة المبالاة بهم.

===

والإهانة اللزوم؛ لأن طلب الشىء من غير قصد حصوله لعدم القدرة عليه مع كونه من الأحوال الخسيسة يستلزم الإهانة أو العلاقة المشابهة فى مطلق الإلزام؛ لأن الوجوب إلزام المأمور والإهانة إلزام الذل والهوان- تأمل.

(قوله: نحو كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً) أى: ونحو: ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (٢) لأنه ليس المراد الأمر بذوقه العذاب؛ لأن الكافر حال الخطاب بالصيغة فى غصص المذوق ومحنه.

(قوله: إذ ليس إلخ) علة لمحذوف أى: فالغرض من الأمرين التسخير والإهانة، لا الطلب إذ ليس إلخ

(قوله: لكن فى التسخير) لما أفاد اشتراك التسخير والإهانة فى عدم القدرة فربما يتوهم عدم الفرق بينهما، وحينئذ فلا وجه لكون الأمر فى المثال الأول للتسخير، وفى الثانى: للإهانة، فاستدرك على ذلك ببيان الفرق، وحاصل ما ذكره من الفرق بين التسخير والإهانة اللذين دلت على إرادتهما القرائن فى الأمرين أن التسخير يحصل فيه الفعل حال إيجاد الصيغة، فإن كونهم قردة أى: مسخهم وتبديلهم بحال القردة واقع حال إيجاد الصيغة والإهانة لا يحصل فيها الفعل أصلا؛ لأن المقصود فيها تحقير المخاطبين وقلة المبالاة بهم لا حصول الفعل فقول الشارح، لكن فى التسخير يحصل الفعل أى: حال إيجاد الصيغة وقوله وفى الإهانة لا يحصل أى: الفعل أصلا وقوله، إذ المقصود أى: من الإهانة قلة المبالاة بهم أى: لا حصول الفعل، واعلم أن التحقير قريب من الإهانة وقد استعملت صيغة الأمر فيه فى قوله تعالى حكاية عن موسى ألقوا ما أنتم ملقون أى: إن ما جئتم به من السحر حقير بالنسبة للمعجزة، وإنما قلنا: إنه قريب منها؛ لأن كل محتقر فى الاعتقاد، أو فى الظاهر فهو مهان فى ذلك الاعتقاد، أو الظاهر وإن كانت الإهانة إنما تكون بالقول أو بالفعل والاحتقار كثيرا ما يقع فى الاعتقاد، والحاصل


(١) الإسراء: ٥٠.
(٢) الدخان: ٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>