وأمثال هذه أكثر من أن تحصى، وأعجب من هذا أنه لما سمع قول النحاة أنه يجب تجريد صدر الجملة الحالية ...
===
وأذهل عن دارى وأجعل هدمها ... لعرضى من باقى المذمّة حاجبا
ويصغر فى عينى تلادى إذا انثنت ... يمينى بإدراك الذى كنت طالبا (١)
بريد أنى أترك دارى وأجعل خرابها وقاية لعرضى ويخف على قلبى تركها خوفا من لحوق العار ويقل فى عينى إنفاق تلادى أى: مالى القديم عند انصراف يمينى حائزة للمطلوب
(قوله: وأمثال هذه) أى: ونظائر هذه الأمثلة والشواهد أكثر من أن تحصى أى: أكثر من ذى أن تحصى أى: أكثر مما يمكن أن يحصى هذا هو المراد إلا أنه تسومح فى العبارة اعتمادا على ظهور المراد، وبهذا اندفع ما يقال: إن ما بعد من وهو الإحصاء أى: الضبط بالعد لا يصلح أن يكون مفضلا عليه، إذ ليس مشاركا لما قبله فى أصل الكثرة فلا صحة للتعبير باسم التفضيل
(قوله: وأعجب من هذا) إنما كان أعجب؛ لأنه دليل فاسد يظهر مما جعله دليلا على دعواه أعنى: قول النحاة؛ لأن ذلك فى الجملة الحالية لا فى عاملها وقوله: أنه أى: ذلك البعض، وهذا الذى قاله هنا مخالف لما فى المطول، فإنه يقتضى أن ذلك السامع المستدل بكلام النحاة بعض آخر غير الأول، وكذا كلام العلامة اليعقوبى.
(قوله: لما سمع قول النحاة إلخ) اعلم أن النحاة اشترطوا فى الجملة الحالية أن تكون غير مصدرة بعلم استقبال؛ لأن الغرض من الحال تخصيص وقوع مضمون عاملها بوقت حصول مضمون الحال، وذلك ينافى الاستقبال، واعترض عليهم بأن الحال بالمعنى الذى نحن بصدده بجامع كلا من الأزمنة الثلاثة ولا مناسبة بين الحال المذكورة وبين الزمان الحاضر المقابل للاستقبال إلا فى إطلاق لفظ الحال على كل منهما اشتراكا لفظيا، وذلك لا يقتضى امتناع تصدير الحال بعلم الاستقبال، وأجيب بأن الأفعال إذا وقعت قيودا لما له اختصاص بأحد الأزمنة فهم منها استقباليتها وحاليتها وماضويتها بالنظر
(١) البيتان من الطويل، وهما لسعد بن ناشب فى تلخيص الشواهد ص ١٦٣، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص ٦٩، وخزانة الأدب ٨/ ١٤١، ١٤٢، والشعر والشعراء ص ٧٠٠.