للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأن يكسر شهوة هذا الخنزير بتسليط الكلب؛ إذ بالغضب يكسر سَورة الشهوة، ويدفع ضراوة الكلب بتسليط الخنزير عليه، ويجعل الكل مقهوراً تحت سياسته، فإن فعل ذلك وقدر عليه اعتدل الأمر، وظهر العدل في مملكة البدن، وجرى الكل على الصراط المستقيم، وإن عجز عن قهرها قهروه واستخدموه، فلا يزال في استنباط الحيل وتدقيق الفكر ليشبع الخنزير، ويرضي الكلب، فيكون دائماً في عبادة كلب وخنزير. انتهى كلام الغزالي في "الإحياء" (١).

وقد اشتمل هذا الفصل من كلامه على فوائد:

الأُولَى: أن الغالب على البهائم الشهوة، وعلى السباع الغضب، وهما معتدلان في الإنسان ليستعملهما في منافع بدنه وشرائع دينه، ويدفع بهما مضار معاشه ومَعَاده باستعماله كلًّا منهما في محله بقدر الحاجة، بحيث يكون مستولياً بعقله عليهما، فإن غلبا أو أحدهما على عقله، واستوليا أو أحدهما على فطنته، فقد فوَّت على نفسه الخاصة الإنسانية، وترجح فيه جانب البهيمية أو السبعية، أو كليهما، فالعبد بسبب استرساله في الشهوة، واستطلاقه مع الهوى يكون متشبهاً في ذلك بالبهائم والسباع، ومهما غلب عقله على شهوته وغضبه كان مترقياً عن هذه المنزلة السافلة، سامياً إلى مراقي الحكمة العلية الفاضلة كما قال أبو بكر بن دريد: [من الرجز]


(١) انظر: "إحياء علوم الدين" للغزالي (٣/ ١٠ - ١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>