للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبقدر ما تغلب شهوتُه عقلَه يقرب من البهائم، ثم يتأخر حتى يصير في منزلة البهيمة، أو ينزل في حضيض أسفل من منزلة البهائم كما قال الله تعالى: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} [الفرقان: ٤٤].

فقد ظهر لك في ترتيب كتابنا هذا سر عجيب، وهو أنا ذكرنا أولاً التشبه بالملائكة عليهم السلام، وجعلناه في بداية القسم الأول من الكتاب، وذكرنا آخراً التشبه بالبهائم، وجعلناه في نهاية القسم الثاني من الكتاب، فكان التشبه بالملائكة والتشبه بالبهائم كطرفين للكتاب أعلى وأدنى، وكان المتشبه بالملائكة في الطرف الأعلى من الإنسانية، والمتشبه بالبهائم في الطرف الأدنى من الحيوانية، وجعلنا التخلق بأخلاق الله تعالى في وسط الكتاب لأنه هو النهاية التي يُنتَهى إليها بسير السائرين، والمحط الذي عليه تحط رحال العارفين، ثم ذكرنا بعد ذلك النهي عن التشبه بالشيطان إشارة إلى من لم يتخلق بأخلاق الله - عز وجل -، ولا بأخلاق عباده الصالحين فهو إما شيطان، وإما قرين شيطان، وإما بهيمة في صورة إنسان.

فعدنا بعد الأمر بالتلبس بالحق إلى الزجر عن التلبس بالباطل، فكأن لسان الحال قد قال: إن لم تأمر بما أمرناك به من السلوك في مسالك الأبرار والأخيار، فلا أقل من أن تنزجر عن الذهاب في سبيل الفجار والأخيار، فإن لم يُصبها وابلٌ فَطَل.

وإذا انحصر الحق في التخلق بأخلاق الله تعالى، وأخلاق عباده

<<  <  ج: ص:  >  >>