للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم يجهز على جريحهم، ولم يقتل أسراهم، ولكن يعاقبون، ويضرب من أخذ منهم ضرباً وجيعاً، ويُحبسون حتى يُقلعوا عما هم عليه، ويحدثوا توبة (١) . وإليه ذهب الأوزاعي في قتل من له فئة (٢) .

وقال أبو محمد بن حزم (٣) : «ومن انهزم منهم، فإن كانت هزيمته إلى حصن، أو إلى جماعة منهم، أو ليبتعدوا عن الطلب، ويبقوا على رأيهم؛ أُتْبِعوا ولا بُدَّ، وإن كانت هزيمتهم افتراقاً، وتركاً لما هم عليه؛ لم يجز أن يُتْبَعُوا، ولا يُجْهَزُ على جريح من أحدِ هذه

الطوائف، ولا يقتل منهم أسير، فمن قتله فعليه القود» . فلم يفرق أبو محمد في الجريح والأسير بين أن تكون له فئةٌ أو لا تكون، لا يحل قتلهم بحال.

وروي عن ابن عباس -وقد سُئل عن أناس من الخوارج قاتلوا فانهزموا: أنقتلهم؟ قال: «اقتلهم ما كانت لهم فئةٌ يرجعون إليها، فإذا لم تكن لهم فئة؛ فلا تقتلوا مقبلاً ولا مدبراً» (٤) . لعله إنما يعني مقبلاً في غير قتال، لا على أن يكون مقبلاً في القتال، فإن كل مقاتل على باطل؛ فلا ينبغي تركه، ولا يجب الكَفُّ عنه، والله أعلم.

والأظهر ما قاله الشافعي (٥) في وجوب الكفّ عن المدبر والجريح المُثْخَنِ


(١) انظر: «تحفة الفقهاء» (٣/٣١٣) ، «الهداية» (٢/٤٦٤) ، «بدائع الصنائع» (٧/١٤٠-١٤١) ، «المبسوط» (١٠/١٢٦) ، «أحكام القرآن» للجصاص (٣/٢٨٣- ٢٨٤) .
(٢) قال: «وما تحلُّ هذه السيرة في الفئة إذا افترقت الأمة، ولا في الطائفتين اللتين نزل فيهما وفي أشباههما القرآن، ولا في الخوارج إذا هزمهم المسلمون: قتل أسيرهم، والإجازة على جريحهم» . انظر: «الإشراف» لابن المنذر (٢/٣٩٠) .
(٣) في «المحلّى» (١١/١٠١) .
(٤) انظر: «الإشراف» لابن المنذر (٢/٣٩٠) ، «المغني» (١٢/٢٥٢) .
(٥) وهو مذهب المالكية والحنابلة.
انظر في مذهب المالكية: «الذخيرة» (١٢/٧) ، «عقد الجواهر الثمينة» (٣/٢٩٤) ، «جامع الأمهات» (ص ٥١٢) ، «المنتقى» للباجي (٧/١٧٠-١٧١) ، «حاشية الدسوقي على الشرح الكبير» (٤/٣٠٠) . =

<<  <   >  >>