للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالأسرى من الرجال على أقوال:

فذهب قومٌ إلى قتلهم ولا بُدَّ، وقومٌ إلى استحيائهم، والمنعِ من قتلهم، وفرَّق قومٌ بين الأسر بعد الإثخان، وهو استمرار القتل، فأجازوا هناك الأسر لِلْمَنِّ والفداء والاسترقاق، وبين الأسرِ قبل الإثخان؛ فمنعوا هناك الاستحياء، وأوجبوا فيهم القتل، وكذلك فرِّق بين أسارى أهل الكتاب وأسارى الوثنيين؛ فلم يجيزوا في الوثنيين إلا القتل، وذهب جمهور العلماء إلى أنَّ الإمام مُخيَّرٌ في الأسارى بحسب الاجتهاد في مصالح المسلمين، وسبب الخلاف تعارض الآي في ذلك،

وما الناسخ منها من المنسوخ، أو: هَل ذلك كلُّه مُحكمٌ، والجمع بينه ممكن؟

فأما من ذهب إلى قتل الأسير ولا بدّ، فدليله قوله -تعالى-: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ} [الأنفال: ٥٧] ، وقوله -تعالى-: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} [التوبة: ٥] ، ورأوا هذا ناسخاً لقوله -تعالى-: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: ٤] ، ولا يجوز عندهم أن يُفَادى إلا بالمرأة؛ لأنها لا تقتل، وإليه ذهب قتادة (١) ومجاهد (٢) والحكم، وروي عن ابن جريج


= (٣/٦١) .
وهذا مذهب الحنفية، انظر: «شرح السير الكبير» (٤/١٨٦) ، «بدائع الصنائع» (٦/٦٣) ، «البحر الرائق» (٥/١٣١) .
وهو قول عند الشافعية، انظر: «الوسيط» (٧/٢٠) ، «روضة الطالبين» (١٠/٢٤٣) .
ومذهب الحنابلة، انظر: «الإنصاف» (١٠/٨٧) ، «المغني» (١٣/١٧٨) .
خلافاً للأظهر عند الشافعية وابن حزم، إذ جوَّزوا قتل المذكورين، انظر: «روضة الطالبين» (١٠/٢٤٣) ، «المحلى» (٥/٣٤٨) .
(١) أخرجه عنه: ابن جرير في «التفسير» (٢٦/٤٠، ٤١-ط. دار الفكر) ، ونحوه أخرجه ابن الجوزي في «الناسخ والمنوسخ» (ص ٢٢٩) ، وعزاه السيوطي في «الدر» (٥/٤٥٧) إلى عبد بن حميد وابن المنذر في «تفسيريهما» ، وإلى أبي داود في «ناسخه» . وانظر: «الإيضاح» لمكي بن أبي طالب (ص ٣٠٠ و٣٠٩) .
(٢) أخرجه عنه عبد الرزاق في «المصنف» (٥/٢١٠ رقم ٩٤٠٤) عن عباد بن كثير، عن ليث، =

<<  <   >  >>