قال الإمام: وهو مبني على أن القطع يسقط [بالرجوع عن الإقرار أم لا – كما سنذكره – فإن قلنا: يسقط]، فلا معنى للحبس، وإن قلنا: لا يسقط، فيجوز أن يقال: يحبس؛ لأنه لو خلي يوشك أن يفلت ويفوت الحق.
قلت: وهذا يقوي ما سنذكره عنه من الجزم بحبسه عند شهادة البينة بالسرقة والإصغاء لها، وقد جعل الرافعي عدم الحبس في الغصب ووجوبه في السرقة مسألتي فرق، وحكي عن بعض أنه فرق بأن الحاكم لا مطالبة له بمال الغائب، وليس موجب الغصب إلا ذاك، والسرقة يتعلق بها القطع الذي يملك الحاكم المطالبة به.
الفرع الثاني: إذا حضر الغائب، فإن ذكر أنه أباح المال المسروق للسارق، أو أباعه منه، أو أنه ملكه – لم يقطع؛ لما ذكرناه، وإن ادعى السرقة، فظاهر كلام الأصحاب يقتضي القطع؛ كما سنبينه من بعد، إن شاء الله تعالى.
قال: وإن قامت البينة عليه من غير مطالبة، فقد قيل: يقطع، وهو المنصوص، وقيل: لا يقطع، وقيل: فيه قولان:
اعلم أن الموجود في أكثر النسخ وبعض الشروح حكاية لفظ الشيخ كما ذكرته، والذي أورده الجيلي من لفظ الشيخ:"فقد [قيل]: لا يقطع، وهو المنصوص، وقيل: يقطع، وقيل: فيه قولان"، وهو على كل حال لا يخلو من مناقشة، لكنها على الثاني أسهل، وبيان ذلك أن المنقول في كتب الأصحاب التي وقفت عليها حكاية ثلاثة طرق، ليس المنصوص منها القطع بالقطع، بل المنصوص خلافه؛ كما ستعرفه، وهذا وجه المناقشة على [العبارة الأولى، وليس فيها طريقة قاطعة [بعدم القطع]، وهذا وجه المناقشة على العبارتين] [معا]؛ بل الذي حكاه في "المهذب" والقاضي أبو الطيب شيخه والماوردي وابن الصباغ والبندنيجي والإمام والقاضي الحسين وغيرهم: أن الشافعي – رضي الله عنه – نص في مسألة الكتاب على عدم القطع في الحال، ونص في كتاب الحدود على أنه إذا شهد [عليه] أربعة بالزنة بجارية غائب، يقام عليه