ولكن هنا مسألة: لو أنني قتلته دفاعًا عن نفسي وأهلي ومالي، ثم طالبني أولياؤه وطلبوا القصاص، وقالوا: أنت قتلته واعترفت بأنك قتلته، فنحن نطلب أن تقتل فقال: إني مدافع عن نفسي، قالوا: هات الشهود، قال: لو كان هناك شهود ما هاجمني، هو لم يهاجمني إلا إذا كان مكانه خاليًا، فقالوا: إذا كان ما عندك شهود ما عندك إلا دعوى، قال: هو في بيتي يا جماعة، انظروا إليه، قالوا: نعم، دعوته إلى بيتك لتقتله في بيتك، ممكن هذا ولَّا ما هو ممكن؟ ممكن؛ يعني: لا يحيله العقل، فإذن نطالب بأن تقتل، فماذا يصنع؟ القضاء يحكم بقتله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:«لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى رِجَالٌ دِمَاءَ قَوْمٍ وَأَمْوَالَهُمْ»(١٠).
ولو أننا قبلنا مثل هذه الدعوى لكان كل إنسان يمتلئ قلبه حقدًا على شخص يدعوه إلى بيته، وتفضل، أنت عزيز وغالٍ علينا، ونحبك، وقد أعددنا لك طعامًا طيبًا؛ فاكهة ولحمًا وخبزًا وما أشبه ذلك، تفضل، هذا يحضره الطمع حب الأكل ويجيب، فإذا دخل قتله وادعى أنه هو الذي دخل عليه البيت ليعتدي عليه وعلى حرمته، ممكن هذا ولَّا لا؟ ممكن، فلما كان هذا الأمر ممكنًا غير ممتنع صار من ادعى خلافه فعليه البينة، وإلا فيُقْتَل، ويوم القيامة سوف يحكم بينهم الحكم العدل عز وجل، أما نحن في الدنيا فإنه ليس لنا إلا الظاهر فقط، وهذا لا شك أنه جارٍ على قواعد الشرع في ظاهر الأمر.
ولكن قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إنه يجب أن يُنْظَر في القرائن؛ لأن وجود البينة في مثل هذه الحال متعسر أو متعذر، ولأن هذا يقع كثيرًا ما يصول الإنسان على أحد، ثم يدافع المصول عليه عن نفسه حتى يصل إلى درجة قتله.