للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والفرق ظاهر لأنه في باب المعاوضة يكون العقد على المجهول مَيْسِرًا؛ لأن العاقد إما غانم وإما غارم؛ لأنه قد دفع عوضًا، لكن في باب الوصية هو تبرع؛ إن أدرك ما أوصى له به فهو غانم، وإن لم يدرك فهو سالم ليس عليه ضرر.

وكذلك نقول أيضًا في الهبة وجميع التبرعات: تصح بالمجهول؛ لأن الموهوب له إما غانم وإما سالم ( ... ).

ويؤخذ أيضًا من كلامه رحمه الله هنا أن العرف مقدَّمٌ على غيره ما لم يناقض الشرع، فإن ناقض الشرع فلا حكم له، فلو فُرِضَ أنه شاع في الناس أن بيع المحرم المعين حلال وهو حرام في الشرع، فهل نرجع إلى العرف؟ لا، فالعرف إذا خالف الشرع يجب إلغاؤه؛ لأن الأمة الإسلامية يجب أن يكون المتعارف بينها ما دلَّ عليه الشرع، فإذا وُجِد عرفٌ يخالف الشرع وجب تعديله، ولا يجوز أن نحوِّل الشرع إلى العرف، هذا ليس بجائز.

فإن قال قائل: ألستم تقولون: إن المرجع في النفقة على الزوجة -مثلًا- هو العرف؟ الجواب: بلى ولَّا نعم؟ بلى، طيب إذن نقضتم القاعدة، نقول: نحن لم ننقض القاعدة؛ لأن الله أحالنا في الإنفاق على الزوجة إلى العرف، فإذا عملنا بالعرف في الإنفاق فقد عملنا بالشرع.

ثم قال: (وإذا أوصى بثلثه فاستحدث مالًا ولو ديةً دخل في الوصية) (إذا أوصى) يعني: إنسان بثلثه، فحدث له مال بعد الوصية فإنه يدخل في الوصية؛ لأن المعتبر في الثلث ما كان عند الموت لا ما كان عند الوصية.

فإذا كان رجل عنده ثلاثون درهمًا فقال: أوصيت بثلثي لفلان، كم ثلثه؟ عشرة دراهم، هذا الرجل حدث له قبل أن يموت تجارة واسعة حتى صار ملكه عند موته ثلاثين مليونًا، كم ثلثه الآن؟ عشرة ملايين، لو قال الورثة للموصى له: سنعطيك عشرة دراهم؛ لأن الميت حين أوصى لك كان ثلثه عشرة دراهم، ماذا نقول؟ نقول: المعتبر ماله عند الموت، ولهذا قال: إذا استحدث مالًا بعد الوصية دخل في الوصية.

<<  <  ج: ص:  >  >>