للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فأمّا الكفّارة في يمينٍ لم تنعقد، مثل الكذب واللغو؛ فإنّه لم يدل عليها كتابٌ ولا سنةٌ، ولا وجه لها من القياس أيضاً؛ لِمَا ذكرناه.

ولأنَّ اليمين الكاذبة أعظم من أن تكفِّرَها كفارةٌ، وقد قال الله ﷿: ﴿وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٤) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا﴾ [المجادلة:١٤ - ١٥]، وقال النبيُّ : «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ لِيَقْتَطِعَ بِهَا حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، لَقِيَ اللهَ تَعَالَى وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» (١).

فإن قيل: إنَّ قاتل العمد قد جُعِلت عليه الكفّارة، وهو أعظم من الحالف بالله جَلَّ وَعَزَّ كاذباً (٢)؟

قيل: لا كفّارة عند مالكٍ واجبة على قاتل العمد (٣)، وهو مثل الحالف بالله تعالى كاذباً سواءٌ؛ لأنَّ الله ﷿ أوجبها على قاتل الخطأ.

وقد يجوز أن يكون الحالف بالله كاذباً مثل قاتل المؤمن عامداً في العقوبة؛ لأنّه قد أتى أمراً عظيماً، بل قد يجوز أن يكون أعظم جرماً منه، هذا ما لا يعلم من طريق العقل؛ لأنَّ كلّ واحدٍ منهما مرتكبٌ كبيرةً، وقد قال رسول الله : «قُرِنَتْ شَهَادَةُ الزُّورِ بِالكُفْرِ بِاللهِ ﷿» (٤)، واليمين الكاذبة


(١) متفق عليه: البخاري (٢٣٥٦)، مسلم [١/ ٨٥]، وهو في التحفة [١/ ٧٦].
(٢) لم أقف على من قال بهذا الاعتراض من الشافعية، وهم المخالفون في هذه المسألة، ينظر: الحاوي للماوردي [١٦/ ٣٠٩].
(٣) ينظر: الإشراف للقاضي عبد الوهاب [٤/ ١٦٣]، الذخيرة: [١٠/ ١٣٨].
(٤) أخرجه أبو داود [٤/ ٢١٩]، وابن ماجه [٣/ ٤٥٥]، من حديث خريم بن فاتك قال: «صلى رسول الله صلاة الصبح، فلمَّا انصرف قام قائماً فقال: عدلت شهادة الزور بالإشراك بالله ثلاث مرات، ثمّ قرأ: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (٣٠) حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ﴾»، وهو في التحفة [٣/ ١٢١].

<<  <  ج: ص:  >  >>