قال البدر العيني: فلو كان إسلام جرير متقدما على نزول المائدة لاحتمل كون حديثه في مسح الخف منسوخا بآية المائدة، فلما كان إسلامه متأخرا علمنا أن حديثه يعمل به، وهو مبين أن المراد بآية المائدة غير صاحب الخف، فتكون السنة مخصصة للآية. وفي سنن البيهقي عن إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه قال: ما سمعت في المسح على الخفين أحسن من حديث جرير رضي الله عنه. وقد ورد مؤرخا بحجة الوداع في حديث الطبراني من رواية محمَّد بن سيرين عنه اهـ كلام العيني ج ٣ ص ٣٦٨ وصرح الحافظ في الفتح بأن آية المائدة نزلت في غزوة المريسيع.
وقال السندي ما نصه: والمراد أنه أسلم بعد نزول المائدة، ورأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يمسح على الخفين حال إسلامه، وعُلِم به أن المسح حكم باق لا أنه منسوخ بآية المائدة كما زعمه من لا يقول به، ولذلك يعجبهم حديث جرير، وكُلُّ من تأخر إسلامه بعد نزول المائدة (١)، وإلا فرؤيته قبل نزولها لا يكفي في المطلوب، وتأخر الإسلام لا يقتضي تأخر الرؤية.
بقي أن حديث جرير من أخبار الآحاد فلا يعارض القرآن، وغيره من أحاديث الباب يجوز أن يكون قبل نزول المائدة، فلا دلالة فيها على بقاء الحكم بعد نزولها، إلا أن يقال: القرآن يحتمل المسح على قراءة الجر، فيحمل على مسح الخفين توفيقا بين الأدلة، أو يقال: تواتر عدم نسخه بعمل الصحابة بعده - صلى الله عليه وسلم -، فإن كثيرا منهم عملوا به، ومثله يكفي في إفاده التواتر ونسخ افص، والله أعلم اهـ كلام السندي ج ١ ص ٨١.
وكتب العلامة محمود محمَّد خطاب السبكي في شرح سنن أبي داود عند قوله (قالوا إنما كان ذلك قبل نزول المائدة) ما نصه: أي قال من أنكر
(١) هكذا عبارة السندي، وفيها ركاكة، ولعل الصواب: يعجبهم حديث جرير، لكون كل من رؤيته، وإسلامه بعد نزول المائدة.