للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

جمعها الحافظ في مصنّفه المذكور (١).

(الثاني): أنه قد استُشكِلَت هذه الزيادة من حيثُ إن المغفرة تستدعي سبق شيء يُغفَر، والمتأخّر من الذنوب لم يأت، فكيف يُغفر.

والجواب عن ذلك هو الجواب عن قوله - صلى اللَّه عليه وسلم - حكايةً عن اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- أنه قال في أهل بدر: "اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم".

ومحصّل الجواب أنه قيل: إنه كناية عن حفظهم من الكبائر، فلا تقع منهم كبيرة بعد ذلك. وقيل: إن معناه أن ذنوبهم تقع مغفورة، وبهذا أجاب جماعة منهم الماورديّ في الكلام على حديث صيام عرفة، وأنه يُكفّر سنتين، سنة ماضية، وسنة آتية أفاده في "الفتح" (٢).

وقال الحافظ وليّ الدين -رحمه اللَّه تعالى-: وقد يُستَشكَلُ معنى مغفرة ما تأخّر من الذنوب، وهو كقوله - صلى اللَّه عليه وسلم - حديث أبي قتادة: "صيام عرفة أحتسب على اللَّه أن يكفّر السنة التي قبله، والسنة التي بعده"، فتكفير السنة التي بعده كمغفرة المتأخر من الذنوب، وقد قال السرخسيّ من الشافعيّة: اختلف العلماء في معنى تكفير السنة المستقبلة، فقال بعضهم: إذا ارتكب فيها معصية جعل اللَّه تعالى صوم عرفة الماضي كفّارة لها؛ كما جعله مكفّرًا لما قبله في السنة الماضية. وقال بعضهم: معناه أن اللَّه تعالى يعصمه في السنة المستقبلة عن ارتكاب ما يُحوجه إلى كفّارة، وأطلق الماورديّ في "الحاوي" في السنتين معًا تأويلين:

(أحدهما): أن اللَّه تعالى يغفر له ذنوب سنتين.

(والثاني): أنه يعصمه في هاتين السنتين، فلا يعصي فيهما. وقال صاحب "العدّة" في تكفير السنة الأُخْرَى يحتمل معنيين: (أحدهما): أن المراد السنة التي قبل هذه، فيكون معناه أنه يكفّر سنتين ماضيين (الثاني): أنه أراد سنة ماضية، وسنة مستقبلة، قال: وهذا لا يوجد مثله في شيء من العبادات أنه يكفّر الزمان المستقبل، وإنما ذلك خاصّ برسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - غفر اللَّه له ما تقدّم من ذنبه، وما تأخر بنصّ القرآن العزيز، ذكر ذلك كلّه النوويّ في "شرح المهذب".

وهذا يأتي مثله هنا، فيكون مغفرة ما تأخّر من الذنوب، إما أن يراد بها العصمة من الذنوب حتى لا يقع فيها، وإما أن يراد به تكفيرها، ولو وقع فيها، ويكون المكفّر


(١) - الرسالة مطبوعة ضمن الرسائل المنيريّة في الجزء منه ص ٢٥٣ - ٢٦٦.
(٢) - الفتح ج ٤ ص ٧٨٠.