للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قبر نفيسة لما ترجم لها قال : بالغ العامة في اعتقادهم فيها، وفي غيرها كثيرًا جدًّا، ولا سيما عوام مصر، فإنهم يطلقون فيها عبارات بشعة فيها مجازفة تؤدي إلى الكفر والشرك، وألفاظًا كثيرة ينبغي أن يعرفوا أنها لا تجوز إطلاقها في مثل أمرها … والذي ينبغي أن يعتقد فيها ما يليق بمثلها من النساء الصالحات.

وأصل عبادة الأصنام من المغالاة في القبور وأصحابها، وقد أمر النبي بتسوية القبور وطمسها، والمغالاة في البشر حرام، ومن زعم أنها تفك من الخشب أو أنها تنفع أو تضر بغير مشيئة الله فهو مشرك (١).

٩ وقال الإمام ابن قيم الجوزية (ت: ٧٥١ هـ): حكمُ المشاهد التي بُنيت على القبور التي اتُّخِذَت أوثانًا وطواغيت تُعبد من دون الله، والأحجار التي تُقصد للتعظيم والتبرك، والنذر والتقبيل، لا يجوز إبقاء شيء منها على وجه الأرض مع القُدرة على إزالته، وكثير منها بمنزلة اللات والعُزَّى، ومناة الثالثة الأخرى، أو أعظم شركًا عندها، وبها، والله المستعان (٢).

وقال : ومن أعظم مكايده [إبليس] التي كاد بها أكثر الناس، وما نجا منها إلا من لم يُرد الله فتنته: ما أوحاه قديمًا وحديثًا إلى حزبه وأوليائه من الفتنة بالقبور، حتى آل الأمر فيها إلى أن عبد أربابهُا من دون الله، وعُبِدتْ قبورهم، واتُّخِذت أوثانًا، وبُنيت عليها الهياكل، وصُوّرت صورُ أربابها فيها، ثم جعلت تلك الصور أجسادًا لها ظلٌّ، ثم جُعلت أصنامًا، وعُبدت مع الله.

وكان أول هذا الداء العظيم في قوم نوح كما أخبر سبحانه عنهم في كتابه، حيث يقول: ﴿قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَارًا *وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا *وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا *وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ ضَلَالاً *﴾ [نوح] … قال غير واحد من السلف: كان هؤلاء قومًا صالحين في قوم نوح ، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم صوّروا تماثيلهم، ثم طال عليهم الأمَدُ فعبدوهم (٣).


(١) البداية والنهاية (١٠/ ٧٠٣).
(٢) زاد المعاد في هدي خير العباد (٣/ ٤٤٣).
(٣) سبق تخريجه (١٢).

<<  <   >  >>