للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهم يدعون إلى الإلحاد لإضلال الجاهلين، الذين لم تكشف لهم أضواء المعرفة طريق الحق.

ما أعجب سلطان الهوى، وسلطان التعصب، وسلطان الالتزام بالمبادئ الحزبية على الناس!!.

إن هذه المؤثرات التي تجنح بهم عن سواء السبيل، تسوقهم إلى الشقاء الأبدي والعذاب الأليم، وتجعلهم يؤثرون الضلالة على الهدى، والظلمات على النور.

الكاشف الثاني: لقد سقط "رسل" في سخف استدلالي مفضوح جداً، حين احتج على عدم جدوى النظريات الأخلاقية التجريدية لضرورات الحياة العملية، على عدم الحاجة إلى مشرعين أخلاقيين، بمثال الأم التي تواجه مرض طفلها الصغير، إذ قال: إن تلك الأم لا تحتاج في سعيها وراء شفاء طفلها إلى مشرعين أخلاقيين، وإنما هي تحتاج إلى طبيب ماهر قادر على وصف العلاج المناسب.

إنه بهذا الاستدلال قد لعب لعبة التعميم الفاسد مرتين:

الأولى: حين جعل هذا المثال كافياً لإلغاء حاجة البشرية إلى التشريعات الأخلاقية.

أظن أن مثل هذا الاستدلال لا يقبله أطفال المتعلمين فضلاً عن عقلاء الناس ومثقفيهم، وذلك لأن الناس جميعاً يلاحظون أن للإنسان نوعين من السلوك:

أما أحدهما فهو يلائم هوى الإنسان وعاطفته أو شهوته، وهو مع ذلك ينطبق على المبادئ الأخلاقية، ولا يتعارض معها، ومن ذلك عاطفة الأم التي تتحرك بلهفة لشفاء طفلها المريض.

وأما الثاني فهو يلائم هوى الإنسان وعاطفته أو شهوته، لكنه يتعارض مع المبادئ الأخلاقية (الحق والواجب والفضيلة والجمال) ويدخل في هذا

<<  <   >  >>