للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحكمُ له بحُكمِهِما، وإن كان قد (١) ولد على الفِطْرَةِ حتّى يكون ممّن عبّر (٢) عنه لسانه.

واحتجوا برواية كلّ مَنْ رَوَى: "كلّ بني آدم يُولَدُ على الفطرة" (٣) وقوله: "ومَا مِن مَوْلُودٍ إلَّا وهو يُولَدُ على الفطرة" (٤) وهذا عمومٌ مُطْلَقٌ، وحقُّ (٥) الكلام أنّ يُحْمَل على عمومه، ولقوله: "خَلَقتُ عِبَادِي كلُّهم حُنَفَاء مُسْلِمِين" (٦).

نكتةٌ:

والفطرة: الابتداء، يقال أوَّل ما فَطَرَ، أي: بَدَأَ، خلقهم على الفطرة، أي: بَرَأَهُم على الإسلام والإيمان.

والفطرةُ (٧) الّتي يُولَدُ النَّاسُ عليها هي السّلامة والاستقامة، بدليل (٨) حديث عِيَاض بن حمار (٩)، عن النّبىَّ - صلّى الله عليه وسلم - حَاكِيًا عن ربِّهِ عَزَّ وَجَلَّ بقوله: "خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ" (١٠) يعني على الاستقامة والسّلامة.

والحنيفُ في كلام العرب: المستقيمُ السَّالِمُ، وإنّما قيل للأعرج: أَحْنَف على جِهَةِ التَّقاؤُلِ، كما قيل للقَفْرِ: مفازة، فكأنّه أراد- والله أعلم- الّذين خلصوا من الآفات كلَّها من المعاصي والطّاعات، فلا طاعةَ منهم ولا معصية، إذ لم يعملوا ولا عملوا (١١) بشيء من ذلك، ألَّا ترى إلى قوله للخضر: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ} الآية (١٢)، يعني: لم يعمل العمل، ولم يكتسب الذّنوب.

وإما الحديث عن أُبَيّ بن كعب؛ أنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - قال: "إنَّ الغُلام الّذي قَتَلَهُ


(١) غ، جـ: (قد) والمثبت من الاستذكار.
(٢) في الاستذكار: "يعبّر".
(٣) هذه رواية جعفر بن ربيعة، عن الأعرج، عن أبي هريرة، وكذا رواه خالد الواسطي عن عبد الرّحمن بن
إسحاق، عن أبي الزناد، عن الأعرج. أخرجه أبو يعلى (٦٣٠٦) وانظر التمهيد: ١٨/ ٦٤.
(٤) أخرجه البخاريّ (١٣٥٩، ٤٧٧٥).
(٥) الكلام التالي من زيادات المؤلَّف على نصِّ الاستذكار.
(٦) أخرجه مسليم (٢٨٦٥) من حديث عياض بن حمار المُجاشعيّ.
(٧) من هنا إلى آخر الفقرة الثّانية مقتبس من الاستذكار: ٨/ ٣٧٩.
(٨) "بدليل" زيادة من الاستذكار.
(٩) ع: "حيان"، جـ: "عثمان" والصّواب ما أثبتناه.
(١٠) أخرجه مسلم (٢٨٦٥).
(١١) بر: "يعلموا ولا علموا".
(١٢) الكهف: ٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>