وأمروا أهل مسجدِكم بإحكام الصلاة وإتمامها، وألَّا يكون تكبيرهم إلا بعد تكبير الإمام، ولا يكون ركوعهم وسجودهم ورفعهم وخفضهم إلا بعد تكبير الإمام، وبعد ركوعه وسجوده ورفعه وخفضه.
واعلموا أن ذلك من تمام الصلاة، وذلك الواجب عَلَى الناس واللازم لهم، كذلك جاء عَنِ النَّبِيِّ ﷺ وعن أصحابه ﵃.
ومن العجب أن يكون الرجل فِي منزله، فيسمع الأذان فيقوم فزعًا، يتهيأ ويخرج من منزله يريد الصلاة، ولا يريد غيرها، ثم لعله يخرج فِي الليلة المطيرة المظلمة، ويتخبط فِي الطين ويخوضُ الماء وتبتل ثيابه، وإن كان فِي ليالي الصيف فليس يأمن العقارب والهوام فِي ظلمة الليل، ولعله مع هذا أن يكون مريضًا ضعيفًا فلا يدع الخروج إلى المسجد، فيتحمل هذا كله إيثارًا للصلاة وحبًّا لها وقصدًا إليها، لم يخرجه من منزله غيرها، فإذا دخل مع الإمام فِي الصلاة خدعه الشيطان، فيسابق الإمام فِي الركوع والسجود والرفع والخفض؛ خدعًا من الشيطان له، لما يريد من إبطال صلاته وإحباط عمله، فيخرج من المسجد ولا صلاة له.
ومن العجب أنهم كلهم يستيقنون أنه ليس أحد ممن خلف الإمام ينصرف من صلاته حتى ينصرف الإمام، وكلهم ينتظرون الإمام حتى يسلم، وهم كلهم إلا ما شاء اللَّه يسابقونه فِي الركوع والسجود والرفع والخفض، خدعًا من الشيطان لهم، واستخفافًا بالصلاة منهم، واستهانة بها، وذلك حظهم من الإسلام، وقد جاء الحديث قَالَ:«لا حظ فِي الإسلام لمن ترك الصلاة»(١).
(١) موقوف من كلام عمر بن الخطاب ﵁، أخرجه عبد الرزاق في المصنف برقم (٥٨١، ٥٠١٠)، وابن أبي شيبة في المصنف برقم (٣٧٠٧٤)، والخلال في السنة برقم (١٣٧١). قال البغوي في شرح السنة (٢/ ١٧٩): (قلت: اختلف أهل العلم في تكفير تارك الصلاة المفروضة عمدًا، فذهب إبراهيم النخعي، وابن المبارك، وأحمد، وإسحاق، إلى تكفيره، قال عمر ﵁: «لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة»، قال ابن مسعود ﵁: «تركها كفر»، قال عبد الله بن شقيق: (كان أصحاب محمد ﷺ لا يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة)، وذهب الآخرون إلى أنه لا يكفر، وحملوا الحديث على ترك الجحود، وعلى الزجر والوعيد، وقال حماد بن زيد، ومكحول، ومالك، والشافعي: (تارك الصلاة كالمرتد، ولا يخرج به عن الدين)، وقال الزهري، وبه قال أصحاب الرأي: (لا يقتل، بل يحبس ويضرب حتى يصلي، كما لا يقتل تارك الصوم، والزكاة، والحج).