للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتداعى الدّعرة [١] وتعاوى الشّرار [٢] .

وقد كنا أغرينا من بالجهة الغربية من المسلمين بمدينة برغه التي سدت بين القاعدتين رندة ومالقة الطريق، وألبست ذلّ الفراق ذلك الفريق، ومنعتهما أن يسيغا الريق، فلا سبيل الى الإلمام، لطيف المنام، إلا في الأحلام، ولا رسالة إلا في أجنحة هدل [٣] الحمام، فيسّر الله فتحها، وعجّل منحها، بعد حرب انبتّت فيها النّحور، وتزيّنت الحور. وتبع هذه الأمّ بنات شهيرة، وبقع للزّرع والضّرع خيرة [٤] ، فشفي الثّغر من بوسه، وتهلّل وجه الإسلام بتلك النّاحية النّاجية بعد عبوسة.

ثم أعملنا الحركة إلى مدينة إطريرة [٥] ، على بعد المدى، وتغلغلها في بلاد العدا، واقتحام هول الفلا وغول الرّدى، مدينة تبنّتها حمص [٦] فأوسعت الدّار، وأغلت الشّوار [٧] ، وراعت الاستكثار، وبسطت الاعتمار [٨] ، رجّح لدينا قصدها على البعد، والطّريق الجعد، ما أسفت [٩] به المسلمين من استئصال طائفة من أسراهم، مرّوا بها آمنين، وبطائرها المشئوم متيمنين، قد أنهكهم [١٠]


[ () ] ولو عبدنا غيره شقينا فحبذا ربا وحب دينا سيرة ابن هشام ٣/ ٢٢٧، ٢٢٨.
[١] رجل داعر (بالمهملة) : يسرق، يزني، ويؤذي الناس، والجمع دعرة.
[٢] تعاوت الشرار: تجمعت للفتنة، وتعاووا عليه: تعاونوا وتساعدوا.
[٣] الهديل: ذكر الحمام. والجمع هدل، كسرير وسرر.
[٤] الخيرة: المختار من كل شيء، يريد: بقاع مختارة للزرع والضرع.
[٥] اطريرة (Ultrera) :تقع الجنوب الشرقي من إشبيلية على بعد ٣٩ كلم، وقد ضبطت بكسر الهمزة وسكون الطاء.
[٦] يريد إشبيلية، سماها حمص جند بني أمية الّذي نزل بها حين جاء من حمص الشام. وقد فعلوا ذلك في كثير من مدن الأندلس. ياقوت (معجم البلدان) .
[٧] الشوار: متاع البيت، ويريد به ما تعارف عليه الفقهاء، مما يشترى من الصداق الّذي يدفعه الزوج، وتجهز به الزوجة من حلى، وغطاء، ووطاء إلخ، ذلك لأنه جعل «حمص» أما لا طريرة قد زوجتها وجهزتها، فتغالت- لما في الأم من حب لابنتها- في هذا الجهاز إلخ. فجاء بالألفاظ الفقهية بمعانيها التي اصطلحوا عليها.
[٨] يريد بالاعتمار: الاستعمار، والاستغلال.
[٩] أسفاه: أطاشه حلمه، وحمله على الطيش.
[١٠] أنهكهم: أجهدهم، وأضناهم.
ابن خلدون م ٣٩ ج ٧

<<  <  ج: ص:  >  >>