للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه الخامس: نقله للإجماعات التي وقعت بين أهل العلم.

قد أولى أبو عيسى الترمذي هذا الجانب اهتماما كبيرا في كتابه "الجامع"، ويعتبر من أوائل الذين ينقلون إجماع أهل العلم، فهو أقدم من أبي بكر ابن المنذر (١)، ومن المعلوم أن الذين ينقلون الإجماع إنما يعتمدون غالبا على ابن المنذر ومن أتى من بعده، فأبو عيسى أقدم منه، فهو كما اهتم بالخلاف اهتم أيضًا بالإجماع، وأضاف إلى ذلك الاهتمام بما عليه العمل، وبما ليس عليه العمل كما سوف يأتي.

وهذا يدل على اطلاع واسع، لذا قل في الأمة من ينقلى الإجماع، ولا شك أن طريقة عرضه للخلاف تؤهله لهذا الأمر (نقل الإجماع)، فهو كما تقدم يبتدئ بأقوال الصحابة وبالذات كبارهم، ثم التابعين، ومن أتى من بعدهم إلى أصحاب المذاهب المشهورة، وأحيانا لا ينقل الإجماع، ولكن ينص على أن هذا القول هو قول الأكثر، وأحيانا يذكر أن هذا قول بعض أهل العلم، وإليك أمثلة على ذلك:

١ - قال أبو عيسى في باب ما جاء في الحائض تتناول الشيء من المسجد: (وهو قول عامة أهل العلم، لا نعلم بينهم اختلافا في ذلك: بأن لا بأس أن تتناول الحائض شيئا من المسجد) (٢).

٢ - وقال أيضًا في (باب ما جاء في كراهية أن يبادر الإمام في الركوع والسجود): (وبه يقول أهل العلم: أن مَن خلف الإمام يتبعون الإمام فيما يصنع، ولا يركعون إلا بعد ركوعه، ولا يرفعون إلا بعد رفعه، لا نعلم بينهم في ذلك اختلافا) (٣).


(١) مع ملاحظة سبق الشافعي له، وأيضًا ممن ينقل الإجماع محمد بن نصر وهو عصريه.
(٢) (١/ ٣٦١).
(٣) (١/ ٤٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>