للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن تكون " ما " مصدرية، فيكون المعنى عن شركهم، أو موصولة، ويكون المعنى: سبحان الله عن الذين يشركون به، وهي صالحة للأمرين؛ فتكون شاملة لهما؛ لأن الصحيح جواز استعمال المشترك في معنييه إذا لم يكن بينهما تعارض، فيكون التنزيه عن الشرك وعن المشرك به.

قوله: " إنا لسنا نعبدهم ". أي: لا نعبد الأحبار والرهبان، ولا نسجد لهم، ولا نركع، ولا نذبح، ولا ننذر لهم، وهذا صحيح بالنسبة للأحبار والرهبان، بدليل قوله: «أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتحلونه؟ !» .

فإن هذا الوصف لا ينطبق على عيسى أبدا؛ لأنه رسول الله، فما أحله فقد أحله الله، وما حرمه فقد حرمه الله، وقد حاول بعض الناس أن يعل الحديث لهذا المعنى مع ضعف سنده، والحديث حسنه الترمذي، والألباني، وآخرون، وضعفه آخرون.

ويجاب على التعليل المذكور بأن قول عدي: «لسنا نعبدهم» . يعود على الأحبار والرهبان، أما عيسى ابن مريم، فالمعروف أنهم يعبدونه.

وبدأ بتحريم الحلال؛ لأنه أعظم من تحليل الحرام، وكلاهما محرم؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ} [النحل: ١١٦] .

قوله: " فتلك عبادتهم ". ووجه كونها عبادة: أن من معنى العبادة الطاعة، وطاعة غير الله عبادة للمطاع، ولكن بشرط أن تكون في غير طاعة الله، أما إذا كانت في طاعة الله فهي عبادة لله؛ لأنك أطعت غير الله في طاعة الله، كما لو أمرك أبوك بالصلاة فصليت، فلا تكون قد أباك أبوك بطاعتك له، ولكن عبدت الله؛ لأنك أطعت غير الله في طاعة الله؛ ولأن أمر غير الله بطاعة الله

<<  <  ج: ص:  >  >>