والثالث: أن المستثنى والمستثنى منه جميعا وضعا لمعنى واحد، وهو ما يفهم من الكلام آخرا، حتى كأن العرب وضعت اسمين لمعنى السبعة، أحدهما مفرد وهو السبعة والثاني مركب وهو عشرة إلا ثلاثة.
تنبيهان:
الأول: أصل الخلاف في هذه المسألة إشكال معقولية الاستثناء لأنك إذا قلت: جاء القوم إلا زيدا، فلا يخلو إما أن يكون زيد دخل في القوم أم لا، فإن لم يكن دخل، فكيف صح إخراجه، وقد أجمع أهل العربية على أن الاستثناء إخراج وإن كان قد دخل فقد تناقض الكلام، لأنك أثبته أولا، ثم نفيته، وذلك يؤدي إلى أن لا يكون الاستثناء في كلام إلا وهو كذب من أحد الطرفين وهو باطل لاشتمال القرآن عليه. ولهذه الشبهة فر القاضي إلى مذهبه السابق، وقال: لا إخراج فيه فعورض بإجماع أهل العربية على أن الاستثناء إخراج ما بعد ذكر (إلا) مما قبلها، وإجماعهم حجة في تفاصيل العربية، وصار ابن الحاجب إلى ما سبق، وقال: إنه يرفع الإشكالين.
قال في (شرح المفصل): ولا يحكم بالنسبة إلى بعد كمال ذكر المفردات في كلام المتكلم فإذا قال المتكلم: قام القوم إلا زيدا، فهم القيام أولا بمفرده وفهم القوم بمفرده وإن فيهم زيدا، وفهم إخراج زيد منه، بقوله: إلا زيدا، ثم حكم بنسبة القيام إلى هذا الفرد الذي أخرج منه، وقد يحصل الجمع بين المسالك المقطوع بها على وجه يستقيم وهو أن الإخراج حاصل بالنسبة إلى المفردات وفيه توفية بإجماع النحويين، وتوفية إنك ما نسبت إلا بعد أن أخرجت زيدا، ولا يؤديى إلى المناقضة المذكورة، قلت: لكن فيه مخالفة لمذهب سيبويه وجمهور البصريين أن المستثنى لم يندرج في الاسم المستثنى منه ولا في حكمه، ومذهب الكسائي لا يندرج في المستثنى منه