وهذا تكذيب لروايات أبي مخنف المفتراة التي تزعم أن عليًا أكره على قبول التحكيم - وعلى هذه الروايات المختلفة اعتمد المستشرقون وغيرهم، وما دروا وما أدركوا، نظر علي ﵁ لطبيعة القتال في صفين، وحرصه الشديد على حقن دماء المسلمين، حتى ولو كلَّفَه ذلك حياته الخاصة. • أما حقيقة ما دار بين أبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص في وقعة صفين، فقد أخرج ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (١٣/ ٢٦٢) والبخاري في التاريخ الكبير مختصرًا عن الحصين بن المنذر أن معاوية أرسله إلى عمرو بن العاص، فقال له: إنه بلغني عن عمرو بعض ما أكره، فاته فاسأله عن الأمر الذي اجتمع عمرو وأبو موسى فيه: كيف صنعتما فيه؟ قال (أي عمرو بن العاص): قد قال الناس وقالوا، ولا والله ما كان ما قالوا، ولكن اجتمعتُ أنا وأبو موسى قلت له: ما ترى في هذا الأمر؟ قال: أرى أنه النفر الذين توفي رسول الله ﷺ وهو عنهم راضٍ. قال: فقلت: أين تجعلني من هذا الأمر ومعاوية؟ قال: إن يستعن بكما ففيكما معونة، وإن يستغن عنكما فطالما استغنى أمر الله عنكما). بسند رجاله ثقات. • ولا أصل لما أشيع من قبل المبتدعة بكون أبي موسى رجلًا ضعيفًا خُدع من قبل عمرو بن العاص المراوغ. فلا أبو موسى ضعيف، ولا عمرو بن العاص مراوغ، حاشاهما أن يكونا كذلك. - فقد أخرج الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (١/ ٥٧) عن قبيصة بن جابر وهو الذي شهد الجمل مع علي: (قد صحبت عمرو بن العاص فما رأيت رجلًا أبين ولا أنصع رأيًا، ولا أكرم جليسًا منه، ولا أشبه سريرة بعلانية منه. - وأخرج الترمذي في سننه رقم (٣٨٤٣) أن رسول الله ﷺ قال: أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص". وهو حديث حسن. هذه هي صورة الصحابي الجليل عمرو بن العاص في الحديث والتاريخ، فليخسأ المبتدعة الكذابون أمثال أبي مخنف وغيره. - وأما أبو موسى فلم يكن ضعيف الرأي، ولا مغفلًا ولا جاهلًا حتى ينخدع بهذه البساطة ويخلع من عنقه بيعة خليفة راشد أجمع أهل الحرمين، والبدريون، وأهل بيعة الرضوان على إمامته. - أخرج الفسوي في "المعرفة والتاريخ" (٢/ ٥٤٠) عن أبي البختري قال: أتينا عليًا =