للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولابد في قبوله من فضل نظر وتمام عناية وتأمل على الجهة الحسنى والله المعين بمنه وعلى الجملة والفقه عزيز جدا وقد غلب الجدليون غلبة عظيمة واقتنعوا بدفاع الخصوم ورضوا بعبارات مزوقة فاضلة عن قدر الحاجات والعبارات قوالب المعانى فإذا زادت على المعانى كانت من فضول القول والواجب على الفقيه أن يكون جل عنايته مصروفا إلى طلب المعانى ثم إذا هجم عليها فلا بأس أن يكسوها بالكسوة الحسنة ويبرزها عن خدرها في أحسن مبرز فيصير المعنى كالعروس تترفل١ في حلية وجللة فأما إذا اشتغل بالعبارات وأعرض عن المعانى وكان جل سعيه في التهوين على الخصوم وإيقاعهم في الأغاليط بعبارته خفى الحق والصواب فيما بين ذلك وجواب واحد يقام عليه برهان يكشف عن الحق ويسكن إليه القلب ويزول به تلجلجه خير من ألف جواب جدلى وإن كان يقع به دفاع الخصوم وإسكاتهم والله يعين على ذلك بمنه وطوله إن شاء الله تعالى.

مسألة: تخصيص العلة

العمل أن نشرع في هذه المسألة بذكر طرف مما يفسد به العلة: أعلم أنه قد ذكر الأصحاب ما يفسد به العلة وعدوا وجوها عشرة وأكثر وذكروا:

الوجه الأول: وهو أن لا يدل الدليل على صحتها.

والوجه الثانى: أن تكون العلة منصوبة لما لا يثبت بالقياس كأقل الحيض وأكثره وإثبات الأسماء واللغات وغير ذلك وقد ذكرنا اختلاف الأصحاب في ذلك.

والوجه الثالث: أن تكون العلة مشروعة من الأصل لا يجوز انتزاع العلة منه مثل أن يقيس على أصل غير ثابت كأصل منسوخ أو أصل لم يثبت الحكم به وكذا لو كان الأصل قد ورد بتخصيصه الشرع ومنع القياس عليه مثل قياس أصحاب أبى حنيفة غير الرسول على الرسول صلى الله عليه وسلم في جواز النكاح بلفظ الهبه.

والرابع: أن يكون الوصف الذى علل به لا يجوز التعليل به مثل أن يجعل العلة اسم لقب أو نفى شئ على قول من لا يجيز ذلك أو شبها على قول من لا يجيز قياس الشبه أو وصفا لم يثبت وجوده في الأصل أو في الفرع.

والخامس: أن لا تكون العلة مؤثرة في الحكم وهذا قد سبق.


١ أي: تمشى متبخترة انظر القاموس المحيط "٣/٣٧٤".

<<  <  ج: ص:  >  >>